Saturday, April 18, 2015

همبول واللقاء الأخير


 



أعد الرفاق من حراس المجلس وجبة الغداء وخرج الينا القائد حليب ستي ولم تكن الوجبة بأحسن مما كنا نأكل في العيادة المركزية بالجبل هي نفسها وجبة القراصة مرشوشة  بالعدس والكل حول المائدة نأكل ونمرح ونضحك لا رئيس ولا مرؤوس لا جندي ولا مسؤول كلنا حول مائدة واحدة سواسية تأخذ حجم يدك ولا حجم موقعك نعلق علي بعضينا ونضحك وهاهي البساطة وهاهو التواضع ونكران الذات في أسمي وأجل معانيه تغرس كالبذور في نفوس كل المناضلين لتؤٌتي أكلها في التواضع والتكافل وحب الآخر نموذج تمنيت لو استمر في كل جوانب الحياة لاحقا ... حليب ستي عضو المجلس الثوري يمزح ويمرح مع كداني ويداعبه قائلاً أأكل جيدا لتعوض الدم الذي فقدته من خلال الرعاف المزمن وكداني يرد المداعبة بمثلها قائلا كنت أتوقع أن أجد لحما طريا وفاكهة متنوعة في مائدة المجلس الثوري لأعوض ما فقدت من دم والكل يضحك وحليب ستي يرد عليه قائلا كلها أيام قلائل وسوف تأكل القريت فروت وتشرب عصير المنقة الذي أخاف أن ينسيك الميدان ونضحك وهكذا قضينا وقت في قمة الروعة وقتٌ نوعي لا تجد له مثيلا ولا يتكرر كثيراً .. وقت نوعي بنوعية الحضور من الناس مستوي رفيع من الحوار ومواضيع الحوار كل شيئ كان يلقي برونقه وعبقه في ظلال أجوائنا ... أستأذن حليب ستي ودخل الكوخ الذي هو بمثابة مكتبه وعندها يستأذن الشهيد أدريس من بقية الرفاق ويستدعيني بعيدا حيث جلسنا في الوادي تحت شجرة السدر الظليلة بدأ يتحدث وهو يؤشر في الأرض بحجر صغير في يده ذاكرا كيف أن الأيام تمر بسرعة وكيف انقضت شهور أربعة منذ صعودنا سويا الي الجبل وكيف أنه كان دائما ينظر الي كأخ أصغر وكنت أحس ذلك في كل معاملاته وحديثه ونصائحه لي ولهذا كنت أجله وأقدره وأحترمه وكنت أعود اليه في كل مسألة وموضوع مستعصي .. ذكر لي بانه وحرسيه سوف لن يكونا في الجبل لفترة من الوقت حيث أعطيت له مهام تحضيرية تتعلق بالمؤتمر الوطني الثاني المقبل والذي كما قال تًبذل قصاري الجهود من أجل انجاحه ومهمته كما ذكر كانت تتعلق باقامة ندوات وأجتماعات تنويرية وتثقيفية عن المؤتمر وعن الدور المرجو من المناديب لعبه في المؤتمر ثم يتبع ذلك باقامة الترشيحات لأختيار المندوبين للمؤتمر من الجيش والشعب عن المنطقة التي كما قال تقع حوالي الجبل قال سوف نقوم بكثير من السفر والتنقل لعقد هذه الأجتماعات وصار يحدثني بأنه كيف كان مغرما بالعمل وسط الجماهير وهاهي فرصةٌ تتاح له للعب الدور الذي طالما أحب أن يلعب... طالت جلستنا في الوادي والشهيد لا يود ان ينسى اي نصيحة دون ان يسديها إلي وإني لا اود أن أغادر دُون ان يعلم مدي إمتناني واحترامي وتقديري له كل منا له رسالة يود إيصالها للأخر والحال كذلك حتى سمعنا صوت صباح الخير من وراء اشجار السدر يقول صائحا "يهو قدم وَقتْ ورَبْ تُو" اي حان وقت الرحيل .. وعندها تحركنا الثلاثة الي اتجاه الكوخ والراكوبة مقر عضو المجلس الثوري حليب ستي وهناك أخذنا أمتعتنا وعانقنا المجموعة مودعين وأصر الشهيد إدريس في مرافقتنا لمسافة ثم وبعد إصرار وإلحاح صباح الخير عاد الشهيد وواصلنا نزولاّ الى بركا وهنا كنا فقط ثلاثة  افراد صباح الخير وكداني وشخصي وعلينا بالأهتمام بكداني كي لا يشتد عليه النزيف الأنفي حيث الفكرة تكمن في أن لا نسير وقت إشتداد الشمس وبأن نكتفي بالمشي في أوقات الصباح الباكر والمساء كذلك في أن نبحث له عن جمل يستقله ويكفيه عناء المشى على أقدامه كل هذا المشوار .. انه اليوم الأول في مشوارٍ ربما يستغرق أيام وليال ووجهتنا الأولي سوف تكون أقرب قرية في طريقنا نجد فيها جملا لكداني .. الوحيد الذي يمكن ان يدري الطريق هو صباح الخير وحتى هو غير متأكد بالوجهة واتفقنا أن نتبع خط غروب الشمس مع ميلانٍ الى الجنوب قليلاّ علي الأقل نحن الثلاثة متفقين في ذلك وبالنسبة لكداني فهي المرة الأُولي التي ينزل فيها الى بركا وعليه فالمشي بالليل يكون أنسب شيئ مع حالته الصحية ... نسير ونسير بلا عناءٍ أو كلل تلالٍ وتلال نتخطاها وديانٍ ووديان نعبرها ومازلنا نبحث عن أقرب قرية في طريقنا الي أن سمعنا نباح كلب لا يبدو بعيدا انشرحت صدورنا وعمتنا الغبطة وأدركنا بأننا على مقربةٍ قرية لا ندري حجمها ... توقفنا حتى نسمع الإتجاه الذي منه اتى النباح وهاهو يتكرر أكثر علواً ووضوحا ولم يكن لنا أدنى شك من وجهته ولا من الأتجاه الصادر عنه ... يممنا شطر ذلك الإتجاه وصرنا نسير ونسير ولا أثر لأي قرية والظلام صار دامساً حالكاً وكداني يصارع مع رعافه الذي بدأ ولم يطلب التوقف ظناً من إننا وصلنا الى القرية ولكن عندما ذهبنا طويلاً ولا أثر لأية قرية عندها طلب كداني بأن نتوقف ونستريح حتى يتوقف رعافه وكان ذلك سبباً كافياً للتوقف وما أن توقفنا وصار صباح الخير يصب في رأس  كداني قليل من الماء القليل الذي تبقى عندنا حتى وسمعنا النباح مجدداً لكن هذه المرة فالنباح من خلفنا ويبدو بعيدا هذه المرة وانتابنا خليط من الإحساس والشعور فمن جهة نحن فرحون لسماع النباح مجددا حتي نتأكد من وجهتنا وهوشيئ مطمئن ومن جهة أخري انتابنا الإحباط لتجاوزنا المكان وبعدنا عنه .. تشاورنا في ماذا يمكن فعله فلا نود أن نصل الى القرية في وقت متأخر من الليل وكذلك لا نود ان يكون ذلك على حساب كداني الذي حالته تتطلب الإستراحة على الأقل حتى يتوقف رعافه اتفقنا على أن أبقى مع كداني ويذهب صباح الخير ليستطلع أمر نباح الكلب ومدي قرب القرية وأن لا يبتعد كثيرا .. انطلق صباح الخير بعد ترك أمتعته معنا واختفي في جنح الظلام وحالة كداني بدأت في الأستقرار وقد توقف النزيف لكنه مازال ممسكاً بقطعة الشاش في انفه .. مر وقت ليس بالقصير وسمعنا النباح عاليا متكرراً  وكان حادا وشديدا وعندها قلنا ربما إقترب صباح الخير منه وربما لهذا السبب ينبح بحدة وشدة .. تأخر صباح الخير ولا ادري ما العمل فكل خيار أصعب من الأخر والجلوس دون فعل شيئ ايضا ليس بالخيار المناسب .. صرت اتحدث مع كداني في ما يجب عمله ونحن نتحدث في الموضوع واذا بصوت صباح الخير يسأل "يَهَوْ ابايا هَليكُم" أي أين أنتم رفعت صوتي قائلا "إبلا إبلا صباح الخير" اي من هنا من هنا يا صباح الخير ... لقد ضٓل طريقه الينا وهذا ما أخره وقال بأن المكان بعيد و يتطلب عودتنا الى الوراء ذهابا اليه ثم إنهم لا جمل لهم ولا ناقة وعلينا أن نواصل الى الأمام بدلا من الرجوع الي الوراء حيث أنهم قالوا بآن قرية أكبر توجد أمامنا في الطريق .. لقد أتى صباح الخير ومعه كل المعلوملت المطلوبة .. تركناه يستريح قليلاً وانطلقنا في الأتجاه الذي ذكره .. وكما قال كانت امامنا قرية تبدو للعيان من بعيد بنيرانها المتقدة وبكلابها النابحة ونحن نقترب من القرية  .. نزلنا بالقرب منها وذهب صباح الخير في طلب الكلأ وماء المشرب وإيادٌ من نارٍ ... كانت هي العادة المتبعة بأن تنزل بالقرب من القرية وليس بداخلها وذلك ردءاً للشبهات وبعدا من الاحتمالات وحفاظا على خصوصية حياة المواطن واحترام تقاليد المجتمع .. أتي المواطن بالعصيدة "أكلت" وبعد ان ضعها على الأرض اعتذر على عدم وجود اللبن وقال "طبحا من نوساتو" أي أن العصيدة ملاحها من ذاتها يعني منها وفييها .. شكرنا الرجل على كل حال وأنه لا حرج فيما لا يتوفر لديه ... ذهب الرجل وبدأنا نأكل وهنا وهنا جن جنون كداني قائلا كيف يعقل أن لا يكون لهم لبن لتمليح هذه العصيدة ورفض الأكل رغم محولاتنا الحسيسة لأقناعه .. طلبنا منه أن ينسى المذاق وان لا يركز فيه وأن يأكل فقط لكن هيهات لمن تنادي رفض البة وعوضا عن ذلك أكثر من شرب الشاي مع كثير من السكر .. لم ألمه فالمذاق كان صعبا لكن للضرورة احكام.

 

ونواصل ........

    

 

 

 

Sunday, April 12, 2015

مع حليب ستي في هنبول

 


بعد عودتنا من سبر ودبر معر كان التركيز منصبا علي التدريب والجاهزية القتالية وظهر تحسن كبير لأوضاعنا المعيشية وكذلك في العيادة المركزية وذلك بفضل الجهود الدؤوبة والحثيثة التي ما برح المسؤولون يبذلونها وعلى رأسهم الشهيد ادريس عمر وكذلك ود حاج علي مسؤول العيادة وآخرون خلفهم يعينونهم في تحقيق هذه النجاحات الملموسة .. لقد كان نادرا مانأكل العدس والأن ومنذ عودتنا صار وجبتنا الرئيسية مرتين في اليوم والسكر صار متوفرا بأستمرار دون معاناة وكذلك سمعت بأن العيادة استلمت مؤخرا دفعات من الأدوية وصاروا يفكرون بأقامة دورات للتمريض وتوزيع الممرضين في الوحدات العسكرية وكذلك توزيع أدوية الأسعافات الأولية بشكل روتيني .. هنالك برامج كثيرة في الأفق بدأت تلوح والضرورة صارت ملحة لها فالإرتفاع التدريجي لأعداد المقاتلين بات يعجل في أن تقام دورات طبية ثابتة  كذلك في الجانب العسكري صارت برامج كثيرة ملحة وضرورية وعلي حسب علمي فان هناك حراك شديد منذ  وصول القائد ادريس محمد ادم رئيس المجلس الثوري الي الميدان والأجتماعات المتتالية للمجلس وانبثاق اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني .. حراك وديناميكية في الساحة تبشر بالأرتقاء بالعمل الثوري الى رحاب أوسع وآفاق أبعد .. أمور كثيرة في طريقها للتغير وهذا أبوعفان صاحبي المقرب يقول بأنه أخيرا حصل علي الموافقة بالذهاب لزيارة أهله وكذلك لموضوع أخر وهنا يفشي لنا أنا وعبي سرا ويطلب منا كتمانه بأنه سوف يتزوج من ابنت عمه التي انتظرته طويلا ورفضت الزواج من غيره رغم الضغوطات التي مورست عليها .. يقول بأن قائد السرية استدعاه بعد عودتتا من سبر وأخطره بالموافقة وبأن رسالته ومصروفه الذي يعطي عند المغادرة سوف يكونا جاهزين .. اما عبي فيمازح أبوعفان قائلا من يكون لك وزيرا وانت تتركنا وتذهب لتتزوج .. أبوعفان موجها حديثه لعبي أخفض صوتك فأني لا أود أن ينتشر الخبر.. وهكذا كانت الحياة تمضي بين أملٍ ورغبة وواقع وصعاب .. بين أحلامٍ وآمالٍ ومشاق .. بين طموحات نتمني تحقيقها وبين حاضر ومصاعب تحول دون ذلك .. هكذا كانت الأيام تمر وتمضي حتي ذلك المساء حيث كنت أجهز نفسي للخروج للحراسة الليلية لكن محمد عافة قائد الفصيلة يقول لا عليك الليلة وسوف يأتي صباح الخير للتحدث معك قلتُ انشاء الله خير قال خير لكن التفاصيل معه وصرت انتظر قدوم صباح الخير بفارق الصبر لأعرف مابالأمر .. أنتظرته حتي وصل من العيادة وأحذني بعيدا وقال أن لقائنا سوف يكون قصيرا فعليه العودة سريعا  لذا سوف لن يطول الحديث قلت وما الأمر بأختصار قال ان علي أن أجهز حالي فسوف ننطلق غدا مبكرين في أتجاه بركا هناك مريض وحالته طارئة وعلينا النزول به وسوف لن نكون لوحدنا بل سوف نكون مجموعة لابأس بها قال تصبح علي خير وغادرني نزولا الي مقر العيادة ومباشرة بدأت في تجهيز أغراضي وفي هذه الأثناء أتي المناضل محمد عافة وجلس يحدثني عن أمور كثيرة بعضها كان عاما عن أمور الثورة والنضال وبعضها كان خاصا به وكيف أنه كانت تحدوه رغبة جامحة في التعليم وكيف أنه لم تتح له الفرصة في ذلك وكيف أنه لابد لأبنائه وبقية الأطفال في ارتريا أن يحصلوا علي  نصيبهم من التعليم .. فتح قلبه وأخرج الكثير من المدفون لكنه لم يصل لدرجة الوُبوح بأميته في القراءة والكتابة ولم أدفعه الي ذلك الأتجاه فهو أعلي وأكبر من أن يدفع في ذلك الأتجاه .. في الختام قال يجب أن تودع رفاقك فربما لا يتثني لك لقائهم من بعد وكما قال مررت برفاقي مودعا فربما لا أراهم في الصباح حيث سوف نغادر مبكرين جدا علي حد قول صباح الخير .. وفي الصباح الباكر لم نشرب حتي الشاي انطلقنا وأنا مازلت نصف نائم أدعك وأفرك في عيوني  وأتعثر في الطريق ولحسن الحظ لم أكن في المؤخرة كما ان عددنا لم يكن بالكثير كما توقعت من حديث صباح الخير لقد كنا ستة أفراد الشهيد أدريس عمر وحرسيه ثم صباح الخير والمناضل كداني الذي به رعاف مزمن لم يتمكنوا من ايقافه في العيادة والخوف في أن لا يتفاقم الي خطورة تهدد حياته دفع ود حاج علي الي تحويله من العيادة المركزية.  تدريجيا ومع نسايم الصباح العليلة وأصوات الطيور المغردة لليوم الجديد بدأت عيوني تتفتح كتفتح الأفق البعيد ضياءا وانشراحا .. بدأت أصحي وأتصحصح وأكتسب طاقتي من هذا البهاء والجمال من حولي شفق بعيد وندا تلامسه يدايا فوق الحشائش وأشجار "التسس" والطيور والحبور والمرور في هذا الوسط .. عالم الصباح في الجبل انما هو عالم بذاته في وحدة متناقمة متناسقة ودومومة وصفاء عالم لا يعكر صفاءه شيئ فهو بعيد من أسباب العكر والتعكير لوحة يحفظها بارئها ويصونها خالقها ومدبر أمرها .. بدأ ظلام الليل في الأنقشاع رويدا رويدا وبدأت معالم المكان في الوضوح وهاهو حسن المناضل الشاب أحد أفراد حرس الشهيد ادريس يقود السير بخطاً ثابة وسريعة والمسافات بيننا ليست بالمتباعدة كما في العادة الكل يود أن نقطع مشورا كبيرا قبل أن تلسعنا الشمس بألسنتها خصوصا ومعنا كداني الذي تٌفاقم الشمس من حالته .. ظللنا نمشي بتسارع وصار واضحا من اننا في حالة نزول لقد بدأنا النزول من الجبل ومن الملاحظ الكمية الكبيرة لأغنام الماعز والتي تراها في كل أتجاه وهاهو أحد الرعاة يبدوا من البعد في الطريق وعندما وصلنا اليه بدأت عليه علامات السرور والغبطة بلقائنا وأصر علينا بالجلوس برحة من الوقت حتي يحلب لنا وتحت أصراره قبل الشهيد ادريس علي أن نجلس قليلا من الوقت تحت هذه الشجرة وذهب الراعي الشاب يحلب لنا اللبن وكانت فرصتي لأسأل الشهيد عن وجهتنا وعن المهمة التي أنا بصدضها قال والحديث لم يكن موجه لي فقط بأننا في طريقنا الي همبول ملوحا بيده الي تلك المجموعة من الجبال حيث سوف نلتقي بالمجلس الثوري وكان يعني بالعضو الممثل للمجلس الثوري قال حسن متسائلا أسوف نصعد الي الجبال يعني جبال همبول ورد الشهيد أدريس قائلا بأنه لا يتطلب منا الصعود الي الجبال حيث أنهم متواجدون في الوادي وبأنه يعلم المكان بالتحديد وهاهو الراعي الكريم يأتي باللبن الساخن في سعن صغير "هوت"  وبدأنا نشرب ونمرر في السعن الي بعضينا حتي شربناه كاملا وعندها قال الراعي دعوني أحلب لكم أكثر والجميع أبدينا رفضنا القاطع حيث كنا قد أمتلانا بحق وحقيقة ولقد عوضنا ذلك علي عدم شرب الشاي في الصباح قبل المغادرة .. شكر الشهيد الراعي علي كرمه وشهامته وتمني له الخير الوافر الكثير وواصلنا في النزول تلال وراء تلال تنزل واحدة لتبدأ في الأخري تناغم وتسلسل وبهاء الي أن وصلنا الي الوادي المغطي بأشجار السدر الظليلة والتي جلسنا عندها ليذهب الشهيد أدريس وبرفقتة حرسيه الي مكان تواجد المجلس الثوري .. أختفو لفترة ثم يعود حسن لوحده قائلا بأن المكان ليس ببعيد انه قريبٌ من هنا وتبعناه بين أشجار السدر الكثيفة ويلوح بيديه الي كوخ علي البعد قائلا هو ذاك مقر المجلس .. المكان لايصله الا عارف ومدرك حتي ولو كان بالمنطقة وقبل الولوج الي المكان أعترضنا أحد حراسه وبما أنهم كانوا يتوقعوننا مع حسن فالتحقق والتأكد من هوياتنا لم يطل أو يأخذ زمناً .. رافقنا الحرس الي المقر حتي وصلنا الي راكوبة أمام الكوخ كان يستظل ويجلس فيها بقية أفراد الحرس .. استقبلونا بحرارة ورحبوا بنا ترحيبا مابعده ترحيب لقد فرحوا فرحا شديدا تحسه متدفقا في محي وجوههم جلسنا معهم نحتسي الشاي وكان أثنائها الشهيد أدريس في داخل الكوخ مع المناضل حليب ستي عضو المجلس الثوري في اجتماع مطول .. أحد الشباب من حراس المجلس قال لي سوف أقدم لك هدية تذكرني بها دائما أينما كنت قلت بكل فخر واعتزاز .. أخرج طلقة من كفوفه ثم حرك رأس الطلقة بكل الأتجاهات حتي صارت أيلة للخروج ثم أخرج الرأس من الظرف وقام بتفريق البارود علي قطعة قماش ثم أخذ ايادا من النار وقربه من مؤخرة الظرف وعندها أحدث فرقعة خفيفة أدت الي ثقب الظرف من المؤخرة ثم أدخل خيطا من خلال الثقب وربط مؤخرة الخيط عدة مرات حتي صارت كالعقدة تمنع الخيط من الخروج ثم وضع الرأس مجددا في مكانه وأحكم الرأس في الظرف .. عملٌ جميل ورائع طلقة تتدلدل من العنق ولا تمثل أي خطورة .. قبلت الهدية وكلي أمتنان وتقدير علي منحي هذه الهدية القيمة والمعبرة وبينما نحن نتجاذب في أطراف الحديث مع الشباب من حراس المجلس خرج الينا الشهيد ادريس عمر وطلب مني بالدخول لمقابلة القائد حليب ستي وكنت بحق متشوق لتلك اللحظات التي أقابله فيها وطالما سمعت عنه وعن بطولاته التي كان الشباب يتغنون بها "حليب ستي سني فالو" .. كان الشهيد أدريس قد أعطاه نبذة عني فبمجرد أن دخلت قام من مجلسه وصافحني بحرارة وهو يناديني بأسمي وطلب مني الجلوس .. شخص تحس بأريحية في مجلسه وتحس بأنه لا حواجز ولا موانع للحديث اليه فهاهي المرة الأولي التي أقابله فيها وكأننا نعرف بعض منذ مدة وببساطة  كان  تواضعه يذيب كل الحواجز .. شخص كان بمستوي الشهرة التي حظي بها وأكثر .. ثمات قيادي من الطراز الأول هدوء وسكينة تبعث فيك الأطمئنان .. والأسترقاق في السمع بعطي أهمية لكل ماتقول دون مقاطعة ولا خروج ولا استرسال ثم حديث مهذب في المضمون .. طلب مني أن احكي له عن تجربتي خلال الأربعة أشهر التي قضيتها في دبر سالا وفعلتُ بأيجاز ثم صار يقدم لي النصائح ويعدد لي في أوجه النضال وبأن البندقية ليست الا واحدة من تلك الأوجه .. قال ان تحرير الأنسان من الجهل والمرض لا يتم بالبندقية وحدها رغم أن الكفاح المسلح يمثل أرقي وأعلي أوجه الفداء والتضحية .. كان حديثه مشبعاً بروح الحماس ودافعاً معنويا للتحصيل العلمي .. أول مقابلة لي مع عضو مجلس ثوري وفي خلاصتها ينصحني بأن أذهب وأُواصل تعليمي  حديث لم أتوقعه بالمرة لكنه كان ينم ويوحي عن بعد نظر وعن فهم بالمسؤلية .. حديث كان له ما بعده من تأثير في حياتي.

ونواصل ................