Wednesday, April 29, 2015

عبد الله ادريس ولقاء لم يتم




انقطع الرعاف نهائيًا عن كداني وصرنا لا نحتاج الي جملٍ يمتطيه او ناقة .. لقد استرحنا من متاعب البحث عن جملٍ في كل قرية كنا نحل بها .. ولقد كانت تواجهنا أحياناً مصاعب كبيرة في الحصول عليه .. فالمواطن في بركا يعتمد علي الجمل في كل شيئ .. النياق تسرح مع الرعاة اما الجمال فهي التي تعين الرجل في كل شيئ تقريباً مع تنوع المهن تتنوع مساعدة الجمل للرجل وكما كان دور الجمل أساسيا في الثورة الإرترية كذلك دور الجمل كان مركزيا ومحورياً في رفد حياة المواطن في الريف وبدون الجمل علينا أن نتخيل حياة إنسان المدنية في الوقت الراهن دون سيارة .. والصعوبة كانت تكمن لحوجة المواطن المستمرة للجمل .. ان قدوم  المواطن رفقة جمله معنا كان يعطل مصالح وأعمال المواطن في قريته رغم ذلك كثيريين منهم أعانوننا وذهبوا معنا لمسافات بعيدة .. ان دور إنسان الريف في دعم الثورة والوقوف معها كان بلا حدود .. فكم من مرة تُوقظُ فيها نسوةِ الريف وأحياناً في وقت متأخر من الليل لتعد الطعام للمقاتلين ولا أعتقد أن تكون هناك قرية لم تجهز النساء فيها الأكل للمقاتلين بل ربما كان يحدث في بعض القري مراراً وتكراراً  وكل ذلك من أجلك ياوطني .. لقد استمر الحال كذلك حتى سنين لاحقة حيث بدأت الجبهة تستخدم السيارات وتآتي بمؤنها الخاصة وقلٓ لدرجة كبيرة الأعتماد علي المواطنين في المؤن وتجهيز الطعام الا في حالاتٍ خاصة .. وعودة الي كداني وتحسن حالته الصحية والتي إنعكستْ ايجاباً علي حالته المعنوية وأيضاً انعكس ذلك علينا بشكلٍ واضح في سَيرنا المتواصل دون قيود ودون وضع إعتبارات غير إعتبارات الطريق فصرنا نمشي بهمة وهمنا الوحيد أن لا نتوه في الطريق لهذا كنا نسأل دائما كل من يقابلنا في الطريق وكذلك كنا نقتفي أثر المشاة من قبلنا في الطريق .. وفي مرة من المرات ونحن نقتفي بالأثر ونواصل في تتبعه حتى نزلنا في وادٍ صغير وجدنا فيه ثعباناً مقتولاً لتوه .. أخذ صباح الخير يقلب فيه ولاحظ وجود شريطين أسودين بالرقبة وقال "أبو حِناقتْ تو" أي ان نوع الثعبان هو أبو حِناقتْ وهو نوع من الثعابين السامة والتي تقتات عل الفئران وطوله يكون متراً أو يتجاوزه قليلاً .. نظرنا في ما حولنا وكانت آثار الأحذية في المكان باينة للعيان .. قال كداني هذه احذية للجبهة وليست للمواطنين وهي من نوع "الشدة " أي الصندل البلاستيكي وهذه كانت نقطة لا تقبل الجدال واضحة وضوح الشمس جعلتنا نحكي عن المقاسات والأحجام .. إستنتاجنا هو إن هناك مجموعة من المقاتلين  أمامنا ولا يسبقوننا الا قليلاً وهم اللذين قتلوا الثعبان وعددهم قليل .. قلنا فلنلحق بهم ونشاركهم الطريق إن كان الأتجاه واحداً وبدأنا نزيد في سرعتنا لعلنا نلحق بهم .. السهول على امتداد البصر لكن رغم ذلك لا نراهم عدا اقتفاء الأثر .. نواصل في المسير وبنفس الوتيرة للإلحاق بهم وكلما نسير ونسير ولا نلحق بهم نجد الكثير من المبررات التي تعلل عدم اللحاق بهم وهكذا كنا نجد دافعاً جديدا لكي نسرع ونحن الذين لا حمولة لنا ولا أثقال .. خفافٍ كهذا السراب الذي نطارد .. خفافٍ كهذا الأفق الواسع والفضاء الشاسع الذي نحن فيه ..خفافٍ تحملنا افكارنا وليست أرجلنا .. خفافٍ نسير على إستنتاجاتنا وليس على أقدامنا ..خفافٍ تحلق بنا الرغبة في اللقيا وفي أن نكون أكبر وأكثر .. نسير ونسير ولا ينتهي المسير ولا نري لهم حتى طيفاً من بعيد .. لقد أخذ منا الأعياء كل مأخذ ولا قرية  امامنا ولا رفاق . سهولٍ وحصاً وتراب .. لا خيار الا المتابعة حتى نصل الي قرية وهكذا فعلنا فقد تحملنا الأعياء والارهاق حتى وصلنا الى قريةٍ صغيرة ذات خيامٍ من السعف وحللنا بالقرب منها .. خرج الينا شيخا كبيراً في السن وبعد تبادل التحايا أخبرنا بأن مجموعة صغيرة من جنود الجبهة كانت عندهم ولقد غادرو المكان بعد ان قضو فيه وقتاً من الراحة .. عرفنا أنها نفس المجموعة التي قتلت الثعبان والتي كنا نقتفي أثرهم لكن هذا أول تأكيد على صحة ما وصلنا اليه من استنتاج سألنا الشيخ بل أمطرنا الشيخ بوابل من الأسئلة نود أن نعرف عنهم كل شيئ لكن معلومات الشيخ كانت قليلة وكان منطقيا حين قال تمر الجبهة من عندنا كثيراً لكن لا نحن نسألهم عن أسمائهم ولا هم يعرفوننا بأنفسهم أو أقسامهم نعرفهم فقط ب "جبهة حرير" وعلي سبيل المثال ها هؤلاء أنتم هل أخبرتمونا بأسمائكم أو أقسامكم سأل الشيخ .. لقد أُحْرِجْناَ أمام صراحة الشيخ ووضوح كلامه وكان صادقاً حيث عادةً لا تُعطي الاسماء ولا الاقسام وأعتقد بأن ذلك كان نابعاً من التحوط الامني طبعاً ذلك لا ينطبق على من يعملون بالقرب من المدن او يعملون وسط الجماهير .. كان الشيخ بسيطاً وواضحاً وصريحاً وباختصار فان هذه الخصال في مجملها هي خصال اهل بركا عموماً .. كنا متعبين فرأينا أن نأخذ قسطاً من الراحة قبل أن نواصل في المشوار .. وفي العصر وبعد ان أخذنا ما يكفي من الراحة تساءل كداني إن كان من الضروري ملاحقة الوحدة الصغيرة التي امامنا وماذا سوف يفيدنا الجري واللهث وراءهم ونحن لا ندري وجهتهم ولا طبيعة مهمتهم .. طرح كداني ذلك كمجرد تساؤل ووجهة نظر وبدأ صباح الخير يرد عليه عن أهمية ذلك من كل الجوانب وخصوصاً بالنسبة للمواطنين فلا يجب إن أمكن أن نأتيهم في شكل جماعات بل من الأفضل أن نأتيهم كمجموعةٍ واحدة فلا نثقل ولا نقسو عليهم وهم الذين يقومون باطعامنا واسقائنا.. لم يبدو كداني مقتنعا بما قاله صباح الخير وصارت المناقشة تطول وعندها اقترحت عليهم بأن نتحرك وننطلق في المسير واثناء ذلك نواصل في النقاش .. وافقا على ذلك وهكذا انطلقنا من القرية بعد أن سألنا الشيخ عن الإتجاه الصحيح لوجهتنا .. سرنا والنقاش بين الرفيقين علي أشده فمحور حديث كداني يتركز علي أن لا شيئ نجنيه من اللحاق بهم غير مقابلتهم والتعرف عليهم بينما صباح الخير حديثه يرتكز في العبئ الاضافي الذي يتحمله المواطن في استقبال كلي المجموعتين في أوقات مختلفة عوضاً عن المجيئ سوياً خصوصاً ونحن نسير في نفس الاتجاه كما أنه يعطينا فرصة التعرف على رفاق لنا نناضل من أجل هدفٍ مشترك .. كنت أميل لحديث صباح الخير من دون ابراز أي تعصب وكنت أري نفس الجوانب والأعتبارات في اللحاق بهم دون أن نكلف انفسنا عناء اللهث خلفهم وعندما رأى كداني أن موقفي يميل لرأي صباح الخير قال اذاً لي شرط واحد .. قلنا ما هو قال أن نعمل كل ما بوسعنا في أن نلحق بهم هذا المساء وان لم نتمكن من ذلك فعلينا أن ننسى كلياً الموضوع ونسير بشكل عادى دون جلب متاعب لانفسنا .. إتفقنا جميعاً على ذلك وكان ذلك مبعث سرور وإعتزاز لنا وقد اعطانا ذلك دفعاً وطاقة جديدة لأن نسير بسرعة أكبر والشمس بدأت تدنو والشفق الجميل يغطي السماء امامنا .. عالم من الجمال تغوص فيه وتبحر فيه الي مراسي ومحطاتٍ لا تطأها الأقدام ... تبحر في غمامه المتناثر وسحبه المبعثرة تربط بينها لتصل الي عالمٍ لا يصله الا الخيال لتبتعد وتبتعد غوصاً فيه .. وقدماي في سباقٍ تلاحق خطوات صباح الخير الذي أطلق العنان لرجليه وصرنا أنا وكداني في صعوبة من أمرنا باللحاق به وليس اللحاق بالمجموعة التي أمامنا لقد وضَعَنا صباح الخير امام أمرٍ واقعٍ كان علينا مواكبته ومجاراته ربما أراد صباح الخير فعلِ كل شيئ من أجل اللحاق بالمجموعة التي أمامنا وذلك من خلال السرعة المفرطة التي صار يسير عليها .. حل الظلام ونحن مازلنا على نفس المنوال صباح الخير في المقدمة وأنا في الوسط أحياناً أرغب في مجارات صباح الخير وآحياناً أخري أتوقف حتي يلحق بي كداني وأطمئن بأن لا يكون قد بقي في الخلف لوحده وصرنا في وضعٍ لا نستطيع فيه محادثة صباح الخير الا ان أراد أن يتوقف وينتظرنا لنلحق به أما نحن الاثنين لا نستطيع التوقف بالمرٓة لأنه إن توقفنا زدنا في فارق المسافة بيننا وبينه .. وبدأ ألاعياء يدب ويتسلل في مفاصل أجسادنا ونحن حياري لا ندري ما العمل حيث لا نستطيع التوقف وأخذ قسطٍ من الراحة لأن القرار في ذلك كان يؤخذ بشكل جماعي والآن لم يترك لنا صباح الخير من خيارٍ الا اللحاق به ولحسن الحظ كان الجو منعشاً ومعيناً لنا علي المسير لمحاولة اللحاق به .. صرت أشجع كداني علي المسير حتي لا نتخلف ونكون في ضع يصعب معه باللحاق بصباح الخير .. وعند وصولنا الي تلٍ صغير لمحنا من البعد ناراً وكانت بمثابة أجمل ما يمكن أن نشاهده .. فهناك القرية وهناك ربما صباح الخير في انتظارنا وربما يكون قد لحق بالمجموعة التي كانت أمامنا .. قبسٍ من نارٍ كان مبعث الأمل وأعادة جزوة الحياة الينا وكالعادة شيئان كانا دائما مصدر فرحٍ ومبعث اطمئنانٍ لنا وهما نباح الكلب وقبسٍ من نار في عتمة الليل وسواده الحالك .. رأينا النار وكانت أجمل ما يمكن أن نراه وقتها .. أنطلقنا بثباتٍ نحوها وقد تبددت المتاعب وزال العياءُ .. عبرنا وادي صغير بالقرب من القرية وهناك نسمع صوت صباح الخير يصيح بأسمائنا ويطلب منا القدوم تجاهه .. وقد كان قد جلب الماء والنار وبدأ في عمل الشاي .. سألناه عن المجموعة التي كانت قبلنا والتي كان يسعي للحاق بها.. قال لقد كانوا في هذه القرية حيث استراحوا وقضوا جزءاً من الوقت بها وغادروها قبل مجيئه بقليل وقال بأن شاباً من القرية ذكر له بأنهم كانوا خمسة أفرادٍ وبهم عبد الله ادريس وقائد أخر لا يذكر اسمه وثلاثة من الحراس وأنهم كانوا علي عجلٍ من أمرهم .. وأضاف قائلاً أن الشاب هو جندي من الجبهة في اجازة مع أهله وقد أكمل اجازته وأنه سوف يغادر عائدا يوم غد الي وحداته وسوف يذهب في نفس الأتجاه الذي ذهبت فيه المجوعة وأن اتجاههم مختلف عن اتجاهنا وأنه لا يمكن أن نلتقي بهم اطلاقاً ..  كما أضاف بأنه ينوي كتابة رسالة قصيرة ويرسلها مع هذا الجندي  الشاب الي عبدالله ادريس للتحية وليحكي له كيف اننا كنا نطارد فيهم ونحاول جاهدين للحاق بهم من دون علمٍ مسبقٍ لهويتهم أو ادراكٍ لأي تفاصيلٍ عنهم .. قال سوف أضَمِنُ أسماءكم في الرسالة وسوف اتلوها لكم بمجرد أن أكملها .. وهكذا كان لقاء لم يتم حينها مع عبد الله ادريس وطوفه من المجوعة التي قتلت الثعبان في الطريق.

 

ونواصل .......