Saturday, March 28, 2015

محاز سبر ودبر معر



 
صارت العيادة المركزية مستقطبا للمارين من بركا الى الساحل أو كذلك من المناطق الأخري متجهين  الى بركا وأعداد النزلاء في ارتفاع كل يوم وصرنا جراء ذلك نعاني نقص في المواد التموينية "الامداد كما يقال في الميدان" ... كمية السكر والزيت التي تعطى لنا صارت كل يوم في تناقص فرغم الشح والعسر المعتاد عليه في الامداد الا ان الامور صارت  تتفاقم نحو الأسوأ كما ان المعلومات صارت تتوالي بقرب خروج العدو من مدينتي كرن وأغردات في اتجاه دبرسالا ... أمور كثيرة صارت تتبدل لكن الشيئ الوحيد الذي لا يتبدل ولا يتغير هو المعنويات العالية التي تتجلي في التفاني والتعاضد والتاثر وجو الأخاء والرفاقة ووحدة المصير الجو المفعم بالحب والمرح كان يساعدنا على تجاوز الصعاب وكنا نركز علي الايجابي من الامور والأشياء  ..ومن المؤكد بان المسؤولين في صدد فعل شيئ أو التخطيط لشيئ ما كما عودونا في كل المواقف التي تحتاج الي دراسة وتمعن .. وكما توقعت  فقد صدق ظني بهم .. لقد دعينا الي اجتماع موسع للسرية وادارة العيادة والقيادة المتواجدة .. جل الحديث تركز علي صعوبة المرحلة وعلي كيفية تجاوزها والعبور الي مرحلة أفضل وهناك حزم (بكسر الحاء وفتح الزين) من الأمور علينا تنفيذها .. منها تقشفي ومنها عسكري يجعلنا في موقف المبادرة عوضا عن انتظار العدو في الجبل وكذلك التنسيق مع الوحدات الأخري في المنطقة .. وعلي ضوء هذه الحزم من القرارات يتوجب نزول فصيلتنا الي الاتجاه الشمالي للشرقي من الجبل كفصيلة استطلاع وتنسيق مع الوحدات الأخري وذلك للتحوط وأخذ السبق اذا خرج العدو من اتجاه مدينة كرن اما الفصيلة الثانية فسوف تنزل من الجبل باتجاه بركا وتنتقل بالمنطقة منسقة مع الوحدات الأخري المتواجدة هناك وذلك لتوخي الحذر اذا خرج العدو من مدينة اغردات وكذلك لدرء العدو من الخروج فالتواجد المستمر للوحدات بضواحي المدينة وحصول العدو علي تلك المعلومات ربما يمنعه من التفكير في الخروج وعوضا عن ذلك يفكر في التمترس بداخل المدينة .. اما الفصيلة الثالثة فسوف تبقى مكانها بالجبل وبهذه الخطة تضرب الفيادة عدة عصافير بحجر واحد .. أعجبني ما سمعت فقد كنت متشوقا للنزول من الجبل خصوصا في اتجاه الشمال الشرقي حيث يجعلني ذلك استنشق عليل ضواحي كرن .. وكم كنت سعيدا عندما علمت بأن الفصيلة الاولي سوف تنزل باتجاه رورا ماريا وترابط حوالي الجبل من ذلك الأتجاه ... خطط جميلة كلها في المجمل أما في التفاصيل فسوف نعتمد علي قدرة المواطنين لتحمل الأعداد المتذايدة من المناضل في مناطقهم ولفترات طويلة قعندما تكون في حراك دائم يكون أعتمادك علي المواطنين في المواد التموينية وأحيانا المواطنين نفسهم تكون ظروفهم المعيشية متعسرة أو يكون مطحون الذرة غير كافي أو ليس هناك من يطحن الذرة لعمل العصيدة للمناضلين ربما تكون بيت أو بيتين وعندما تحضر فصلية أو فصيلتين يصعب علي العائلة أو العائلتين اطعامهم .. كانت القري الكبيرة هي وحدها القادرة علي اطعام واسقاء الأعداد الكبيرة في أن واحد .. أن المواطنين في الريف تحملوا أكثر من طاقتهم وفعلوا أكثر من قدرتهم وساهموا بأكثر من نصيبهم من أجل أن تكبر الثورة ويشتد عودها ويذداد انتشارها وتوسعها .. المواطنين في الريف هم الذين حموا الثورة عندما كانت يافعة تحتاج الحماية وهم الذين أطعموها عندما كانت ضعيفة تحتاج الأطعام والسقاية وهم الذين مكنوها عندما كانت تحتاد التمكين والعناية .. لن أوفي ولن يوفي أحدا للريف حقه مهما قيل من الكلام .. بعد انفضاض الأجتماع الكل كان سعيدا والكل كان متحمسا للخطوة التالية .. لقد أحسنت قيادتنا وأعني المتواجدة في الجبل أحسنت في التفاعل مع الأحداث والتطورات الميدانية واتخذت الصائب من القرارات التي أظهرت لاحقا بعد نظرهم في الرؤيا والتخطيط وللأسف لم تستفد الجبهة كثيرا من هؤلاء الشبان في المراحل اللاحقة .. بدأت الحركة تدب في فصيلتنا في التجهيز والأستعداد للنزول .. أعتقدت وحدي من كان يحب النزول من الجبل والتنقل والحركة الدائمة في الأماكن المختلفة لكن هؤلاء كل زملائي لهم نفس الانطباع والشعور .. دبت الحركة وترا الناس مشغولة كلها .. جزء يغسل وجزء يحيك في الملابس الممزقة وجزء يرقع في الحذاء البلاستيكي القديم "الشدة" ويضيفوا عليه طبقة أخري من الأسفل وذلك بقطع الجانب الأسفل من حذاء أقدم ورقعها في الحذاء بواسطة سكين ساخنة .. الكل يعمل شيئا للأستعداد وخلال يومين نحن في أتم الأستعداد والأسلحة قد نظفت والذخيرة قد زيدت لكل فرد والنفسيات تعانق السماء علوا وارتفاعا .. وفي ذلك الصباح الجميل الباهي تحرك الجمع وأنطلقنا في المسير وهذه المرة ينتابني شعور وأحساس يختلف عن المرات السابقة التي ذهبت فيها لمهام أخري .. هذه المرة تختلف كثييرا عن المرات السابقة فهذه المرة نحن في صدد النزول من الجبل الي مناطق جديدة الي عالم جديد لم أحلق بفضائة قط .. بدأنا المسير في خط سير طويل وممتد ذو تعرجات ومسافات بين الأفراد .. أحب المشي في المقدمة لكني وضعت بالقرب من المؤخرة لكن لا علي ولا أبالي فخط السير هو هو نفسه .. ذهبنا طويلا حتي بدأت معالم الأنحدار والنزول تتجلي وعبق النسيم البارد يهب ومن علي البعد أري جبالا متراصة شامخة العلو وأتساءل عن اسمها فيقال لي بأنها "رورا ماريا" أي هضبة جبال الماريا وهي المرة الأولي التي اكون فيها وجها لوجه مع رورا ماريا ولا أدري ما السر في تسمية الهضاب بالقبائل فنقول رورا بيت قبرو.. رورا منسع.. رورا حباب وعندما يكون الحديث عن المرتفعات نقول "كبسا" أي الهضبة اجمالا عن كل المرتفعات وليس كبسا حماسين أو كبسا أكلوقزاي أو كبسا سرايي ففي التقرايت نفصل وفي التقرانيا نجمع لا أدري ما السر في ذلك ولكن منظر الرورا كان مهيبا من علي البعد يجلجل النفس ويرغمك علي التقدير والأعجاب ودون أن تدري تقول ياسلام ياسلام .. واصلنا النزول طول النهار وفي المساء وعند غروب الشمس وصلنا أعتاب الجبل وبمواجهة دبر معر وفي الجانب العلوي من خور سبر وهنا أيضا ترغم علي أن تقول مرة أخري يا سلام  يا سلام .. دبر معر جبل واحد لكنه شاهق جدا ومرعب تخيل صعوده .. أحساس جميل أنتابني بعد وصولنا لأول قرية أراها من مدة .. عسكرنا خرج القرية وذهب ثلاثة منا للقرية ليأتوا بالماء والنار وليشعرو أهلها بأننا في حوجة لكلأ نأكله .. كان ذلك أول مبيت لنا في "سبر لعال" أعالي سبر تحت أقدام دبر معر الشاهق ومن عل البعد رورا ماريا وفي أسفل السفح من دبر سالا.      
  

ونواصل ........      

Wednesday, March 25, 2015

تسليح وتخزين واستعداد




 
منذ قدوم قائد المجموعة الجديد عبدالله وعمليات التدريب قد تكاثفت واشتدت وتيرتها فالرجل يعلم الكثير من التيكتيكات الحربية وفنون القتال وصار لنا روتين اسبوعي للتدريب وصار نفس الروتين مطبقا في المجموعات الاخري وبينما نحن في غمرة هذه الوتيرة تأتي من قائد السرية أوامر لكل فصيلة بأن تهيئ وتجهز مجموعة من المقاتلين وسوف يطلب منهم  الذهاب في مهمة خاصة ولهذا الخصوص طلب قائد فصيلتنا اجتماعا طارئا وفي الجتماع تم اختيار المجموعة التي كنت من ضمن من وقع الأختيار عليهم وهكذا اكملت فصيلتنا تجهيز مجموعتها وكذلك فعلت باقي الفصيلتين ولقد نورنا بطبيعة المهمة والتفاصيل المحيطة بها ... محمد عافة قائد فصيلتنا سوف يقود المهمة بنفسه وهاكذا وفي صباح اليوم التالي وتحت قيادته انطلق الجمع وكنا حوالي العشرين مناضلا وكنت مغرما في المش في الصباح الباكر لما يعطيك من النشاط والحيوية وذلك العنفوان مع بزوغ الفجر والفضاء الفسيح وحبات الرزاز من الندي تغطي العشائش والاعشاب وأشجار "التسس" شديدة الخضرة وكانها اغتسلت لليوم الجديد انها تبدوا أكثر بريقا وبهاءا ... حيوية الصبح الجديد تحسها في كل ما حولك من أصوات العصافير وتراقصها وانطلاقاتها بين الأشجار وتشمها في روائح وعبق النباتات المختلفة وتغوص نفسك في ذلك الرونق الأبدي من الشفق المتداخل احمرارا والمتناغم جمالا ... ما أحلي الصباح في تلك الجبال لوحة مبدع خالق يستحيل تقليدها ويذيد عشقك لها مع مرور الوقت وتظل كالولهان متعطشا للمزيد منها ودوما متعلق بها .. كنت قد سرحت مع الطبيعة وتأملي فيها وغصت في دواخل نفسي متمعنا متلمسا اغوارها وما ايغظني من ذلك الا تعثر زميلي الذي كان امامي وأخر يعاتبه "عنك يتفتح .. قدميك يتقنح" اي اما أفضل لك أن تفتح عيناك وتري جيدا أمامك ... وبعد الفيقة من السرحان صرت أباطئ في المشي حتي يلحق بي محمد عافة الذي كان في المؤخرة  خلفي وقد لحق بي وهو قائلا مالك اليوم وانت تبطئ في المشي قلت مازحا حتي لا تكون لوحدك في المؤخرة ضحك وأردف قائلا علينا ان نكمل بسرعة هذه المهمة ونكون جاهزين قلت جاهزين لماذا قال هناك معلومات مفادها بان العدو ربما يخرج من أغردات أو من كرن أو من الأثنين معا وعلينا ان نكون جاهزين وحذرين لكل الأحتمالات وهو ربما لأول مرة يحاول الخروج لدبرسالا قلت ان فعلوا ذلك فربما تكون دبرسالا مقبرتهم فلا يمكنهم المغامرة في مكان لا تستطيع سياراتهم بالوصول اليه قال ندري ذلك لكن ربما يحاولون يائسين الخروج الى الجبل ... ونحن نتحدث واذا بصوت من المقدمة يعلو"ارتكز .. ارتكز ... ارتكز" وارتكزنا جميعا ما عدا محمد عافة الذي هرول مسرعا الي المقدمة ليستطلع الامر وكان قائد احدي الجموعات في المقدمة وطلب محمد عافة من اثنين من الجنود ان يسرعوا في الاتجاهين ويستطلعوا الأمر وصار واضحا مصدر الصوت العالي الذي يشبه هدود السحب الداكنة قبل نزول المطر ... الزميلين اللذين خرجا للاستلاع أكدا بانها أبقار الرعاة وعلينا ان نبتعد عن طريقهم فالأبقار شرسة عندما لا تطمئن ولا تأمن من  هم حولها ولا يجب المخاطرة وعند أوامر محمد عافة صعدنا قليلا مبتعدين عن طريقها وفي المؤخرة كان الراعي الذي تبادل التحايا مع محمد عافة ثم واصلنا في طريقنا وصرت لحالي بالمؤخرة بعد ان واصل محمد عافة مع مجموعة المقدمة كنت أود ان أأخذ تفاصيل أكثر عن مهمتنا هذه من محمد عافة والان وهو في مجموعة المقدمة علي التمهل حتى تتضح كل التفاصيل لاحقا ... بعد مشوار قرابة النصف يوم وصلنا الى الموقع المحدد والذي فيه من المفترض ان نلتقي بمجموعة اخري من المقاتلين القادمين من بركا ومعهم جمالا محملة بالأسلحة ... ربما وصلنا قبلهم فلا أحد هنا .. أرسل محمد عافة تلاتة أفراد للاستطلاع والحراسة معا واستظللنا تحت الظل الباسق لشجرة الجميز الكبيرة ذات الأغصان العريضة .. انها شجرة ضخمة وظليلة وهي نقطة التعارف والموقع المتفق عليه .. جلست قريبا من سليمان الكردفاني الذي تمرس كثيرا في مثل هذه المهام تبادلنا التحايا وبدأنا نحكي قال من الطبيعي جدا أن لا تصل المجموعتان في نفس الوقت لأن كل منها قادم من اتجاه مختلف ثم انهم عادة يتأخروا لأن معهم الجمال وكذلك هم في طريق الصعود للجبل وهذه عوامل تجعلهم يتأخروا وأردف في حديثه قائلا بان ذلك يعطينا وقتا ومجالا للراحة والاسترخاء قبل قدومهم ونحن في أمس الحاجة لذلك ... لقد وصلوا قبل أفول الشمس بقليل وسمعت محمد عافة يقول بان هذا انسب وقت للجميع... أنزلنا الأمتعة من الجمال بسرعة وانطلقوا عائدين ... الأن وكما ذكر القائد محمد عافة مهمتنا تتلخص في ثلاثة أقسام .. مجموعة سوف تذهب الي موقع التخزين وتبدأ في الحفر وأدوات الحفر مدفونة هناك ومجموعة ثانية سوف تبدأ في حمل ونقل صناديق الأسلحة والتي كما سمعت قادمة من سوريا أما المجموعة الثالثة فمهمتها الحراسة وهكذا تم تقسيم المهام بين المجموعات ونصيبي كان مع مجموعة الحفر وطلب مننا ان نحمل  جزءا من الصناديق ونحن في طريقنا الي الموقع وكذلك فعلنا وما أثقلها من صناديق وكان سليمان يعلم الموقع جيدا وكذلك يعلم الموقع التي دفنت في أدوات الحفر فقد قام بهذا الدور سابقا .. بدانا في الحفر مع غروب الشمس وكانت فكرة سليمة حيث الحفر في هذه الأرض الصلبة يحتاج جهدا جبارا وجو المساء البارد وكذلك عتمة الليل وفرا لنا الجو المناسب للعمل .. تناوبنا في الحفر بالمقايس التي رسمت من قبل ووضعنا شوالات البلاستيك وغطينا الأرضية تماما ثم بدأنا ننزل في صناديف الأسلحة واحدة بعض الأخري نفس النوعية ونفس المقاسات سويا وفي حفر منفصلة وهناك زميل يأخذ البيانات والكمية وعدد الحفر ومابكل حفرة وكنا نسرع من أجل ان نكمل في وقت قصير .. كان الظلام دامسا والعتمة كاملة وكنا نستعين بنور البطاريات وذلك عند الضرورة فقط حيث لا نود جلب أي أنتباه أو اهتمام أي شخص حتي وكل شيئ كان يسير بتسارع كما أردنا له حتي أتي أحد أحد الزملاء من مجموعة الأستطلاع مسرعا مهرولا يبحث القائد محمد عافة ان هناك أصواتا وحركة شديدة من علي البعد عندها طلب منا التوقف وأخذ مواقعنا في الاستعداد لاي طارئ .. أخذنا مواقعنا والظلام يكاد بعتمته يغطي كل شيئ رغم ذلك أخذنا مواقعنا في المواقع المرتفعة من المكان والأصوات تشتد وتذداد أرتفاعا وهنا كل شيئ متوقع خصوصا وأنها عملية يجب أن تكون في غاية السرية والكتمان لكن رغم ذلك لا ندري ما مصدر هذه الأصوات .. نزلت مجموعة لتقترب أكثر من مصدر الأصوات كي لا نؤخذ بحين قرة وصوتها يذداد ارتفاعا مع حركة الحشائش والأشجار وأحيانا الصخور الصغيرة .. تعالت الأنفاس وعم الغموض والحيرة حتي سمعنا صوتا طمأن الجميع وبدأ الضحك يتعالي من كل اتجاه .. انها الأبقار "أحي مهسي" الأبقار التي تعلف عادة في الليل ... ضحكنا طويلا وطلبنا من الراعي أن يبعد أبقاره من تلك المنطقة وفعل وعدنا مكملين لعملنا مع طاقة جديدة ومرح اكتسبناه من تبدد هذا التوتر المؤقت .. أكملنا عملنا وأعدنا التربة والحشاثش والأحجار الصغيرة التي كنا قد أزلناها مؤقتا وأعدنا كل المظاهر السطحية لموقعها بشكل مرضي وقضينا بقية ليلتنا في نفس الموقع .. وفي الصباح الباكر وفي ذلك الوقت المفضل للجميع بدأنا في طريق العودة الي المعسكر.  



ونواصل ........