Monday, August 21, 2017

كم في اللوح وديمو ديموتا


همومنا كانت علي قدر أعمارنا .. كل شيئ بسيط, سهل وميسر .. لا تعقيد في الحياة فعدم وجود الكهرباء لم يكن الأ فرصة للأبداع في ابتكار ما يملأ وقتنا .. كثيرة هي الأنشطة التي كانت تملأ فراغنا .. فالي جانب كرة القدم كانت "الشاكو" والتي يطلق عليها في أمريكا بلعبة البيزبول .. كانت لعبة مشهورة ومنتشرة عندنا وكانت محببة لدي كثيرا حيث كنت أجيدها وأتقن قوانينها .. وأذكر ذلك الصباح الذي كان فيه الملعب الرئيسي للمدينة (جوكو) ممتلئا بالمشاهدين واللعيبة وهم ليسوا أطفالا صغارا كما تعودت ولم يكونو لعيبة كرة القدم الذين تعودنا علي مشاهدتهم دائما في الملعب وانما لعيبة من طراز ونوع أخر .. كانوا لعيبة أمريكين يلعبون "الشاكو" أي لعبة البيز بول لقد قدمو من القاعدة الأمريكية المتواجدة بأسمرة .. لقد كانت المرة الأولي التي أشاهد فيها الكبار يلعبون "الشاكو" وكان ظني انها لعبة للصغار فقط .. لكني رأيتهم يضربون الكرة بالعصاة ويجرون كما نجري نحو نقاط التوقف الثلاثة أو يكملون الدائرة كما نكمل ونسميها "جيرة" وهم يسموها "هوم رن" .. رأيتهم يجرون ليمسكوا الكرة "قب" كما كنا نفعل .. لقد أعجبني أن أري الكبار هم اللعيبة وأن أكون من المتفرجين وأن أدرك بأننا لسنا لوحدنا من يجيد ويلعب هذه اللعبة بل حتي الأمريكان يجيدونها ويلعبونها وهي لعبة دولية تمارس في بقاع شتي من العالم... ولا أدري أن كان صغار اليوم يمارسونها كما كنا نمارسها أم اندثرت في زحمة بقية الأهتمامات ..
كذلك كنا نلعب لعبة "السالباتي" وهي كلمة أيطالية تعني الخلاص .. لقد كانت لعبتي المفضلة عندما لا أجد من يلعب معي "الشاكو" .. لعبة "السالباتي" كانت تعتمد علي الجري وتخليص من هم في البيت "الحبس" .. لقد كنا نجري القرعة في من يكون عليه الدور ليركض خلف بقية الصغار للقبض عليهم وايداعهم الحبس وذلك بلمسهم وعلي من تم لمسه بالذهاب الي الحبس والأنتظار حتي يأتي واحدا ممن لم  يقبض عليهم ليخلصة وهو يصيح بكلمة (السالباتي) .. ويواصل من عليه الدور بالقبض علي بقية المجموعة واحدا تلو الأخر حتي يكمل القبض عليهم جميعا وهكذا تكتمل وتتواصل بأختيار شخص أخر .. لقد كانت متعبة جدا للذي عليه الركض والبحث والقبض .. كانت تملأ جزء كبير من وقت الفراغ وتعلمنا التخطيط والصبر وأهمية العمل الجماعي في تخليص المقبوض عليهم كذلك كانت تقوي أجسادنا بالركض المتواصل لكي لا يتم القبض علينا وكذلك لتخليص المقبوض عليهم.
كما كنا نلعب لعبة "من ضربك" .. وكانت تتلخص في أن ننقسم الي مجموعتين الأولي تلعب دور الخيالة والثانية تؤدي دور الخيل وكنا نقف في شكل دائري والخيالة علي ظهور الخيل ونضع حجرين في وسط الدائرة .. كان علي الخيالة تغطية عيون من يلعبون دور االخيل .. وينزل واحد من الخيالة ويقرع الحجرين ببعضهم البعض وهذا يمثابة التنبيه ثم يتقدم ليقرع رأس أحد المغطية عيونهم ثم يعود من حيث أتي الي موقعه ليمتطي ظهر من يحمله بهدوء تام لكي لا يلفت أنتباه من قرع رأسه .. وبعد أن يستوي علي موقعه يفتح الخيالة الأعين وبصوت واحد يصيحون علي المقروع رأسه سائلين وبصوت عالي "من ضربك" .. وهنا يأتي دور المضروب في تحديد الضارب وله ثلاثة فرص .. ان أتي بالأجابة الصحيحة تنقلب الأدوار ويصبحون خيالة أو فرسان وان لم يأتي بالأجابة الصحيحة يخسر فريقة وتتواصل اللعبة دون تغيير الادوار وهكذ ويالها من لعبة مسلية وممتعة كانت تتواصل حتي غروب الشمس أو نسمع أذان المغرب وعندها فلا خيار بل الذهاب الي المنزل ..
كما كنا نلعب لعبة "كم في اللوح" وهذه الألعاب تبدوا ذو أصول عربية لما هناك من التسمية والكلمات المتداولة والمتبادلة فيها .. كنا نقتسم الي مجموعتين وحكم .. كان علي الحكم ان يرسم خطين علي الأرض الاول للوقوف والثاني علي بعد مسافة بعيدة من الأول حيث يكتب علي الأرض رقما ويصيح الحكم سائلا أفراد المجموعة الاولي وبصوت عالي "مستعدين" ليردوا وبصوت عالي "بابور حطين" أي جاهزون للأنطلاق كقطارات الحديد .. وهنا يسأل السائل للأول في المجموعة الأولي " كم في اللوح" فأن أخطأ قيل له "كذبا كاذب" ويوجه السؤال للثاني فالثالث فإن أجاب قيل له ولمجموعته "شدو وأركب" وهنا يقفظ أفراد المجموعة الأولي علي ظهور المجموعة الثانية ممتطين ظهورهم الي أن يصلوا الي مكان الخط الذي عليه الرقم ثم تتبادل المجموعتين الأدوار.. وكذلك ان لم يأتو بالأجابة الصحيحة تتبادل المجموعتين الأدوار وتتواصل لعبة  " كم في اللوح"  ذات الأصول العربية .. كانت لعبة محببة لدي الجميع لما لها من متعة وتشويق ..
أما في الأمسيات وعلي ضوء القمر كنا نلعب ألعاب مختلفة من لعبة "مسمار ولا حلقة" وعادة كانت علي الظهر فيسأل السائل خصمه "مسمار ولا حلقة" أما قابضا يده أو فاردا أصبعه الكبري فئن كانت الأجابة صحيحة يتبادلون الأدوار وان كانت الأجابة خاطئة يضرب خصمه قائلا "دقو الفلقة" وهكذا تتواصل اللعبة حتي يحين وقت النوم ونذهب للنوم ..
كذلك كنا نصطف جالسين باسطين أقدامنا لنلعب "ديمو ديموتا" وعادة الأكبر فينا هو الذي يقولها مارا بيده علي الأقدام المبسوطة والمصطفة حتي يرسي علي واحدة من الأقدام عند نهاية الْ "ديمو ديموتا" ثم يعاد الكرة وتخرج رجل أخري وكذلك تتواصل حتي تبقي رجلٌ واحدة وصاحبها هو الخاسر في اللعبة .. وعبارات "ديمو ديموتا" لا أعرف مصدرها ولا معانيها التي تبدو علي أنها خليط من البلين والتقرايت وعبارات أخري لا أدري مصدرها اللغوي وكنا نكررها ونحن نلعب حتي حفظناها عن ظهر قلب .. وهكذا كانت نقول عباراتها "ديمُو ديموتا .. ديمو ديمو نوري .. نوري بسكوتي بسكو بسكو كردي .. كردي سنا دي سنا سنا  لينا .. لينا غسلينا غسلي غسل لكي .. لكي جبركي حليب يستيكي .. يما حجج هليكو .. تمنيتْ تمنيني .. تابوبْي تنان مرحتي" .. وكنا نلعبها عادة في الختام قبل النوم وبين الصغار من أفراد الأسرة الواحدة لانها كانت تأتي قبل وقت الحكايات والقصص التي هي من أمتع أوقاتنا ففيها يسرح الخيال وتتفنن الحاكية في سرد الحكاية بشكل ممتع وخالاتي كنا يبدعنا في سرد الحكايات لنا قبل النوم وكان التشويق في السرد عاليا وراقيا يحفظك للأنتظار لليوم التالي لسماع المزيد .. وعلي حسب ظني هكذا تناقلت الأجيال وراء الأجيال الحكايات والقصص والأمثال وصرنا شعبا شفهيا .. نجيد في النقل الشفهي ولا ندون .. وما دون كان عبر كتاب أجانب أمثال اللإيطاليين أو الإنجليز وذلك لان ثقافتهم يطغو عليها التدوين والتوثيق.