Thursday, December 22, 2016

وكذلك تمضي الأيام ويحل العام الجديد


انها لحظة مراجعة الدفاتر وقراءة القصاصات الورقية المتناثرة المبعثرة كلها تحمل ذكريات أيام مضت أيام إنصرمت أيام حَفَرَت في الذاكرة أخاديد من الذكريات أخاديد من اللحظات التي لا يمكن نسيانها أخاديد يصعب إندمالها لذا عليَ تذكرها وعدم نسيانها .. إنها ألايام الأخيرة  قبل أن يغادرنا العام الذي كان جديدأ عندما أقبل الينا قبل شهور مضت لكنه قد فنت أيامه وإنطفأت شمعاته واحدة تلو الأخري ليصبح العام قديما ونجتر فيما أصِبنا أو فيما أَصَابنا فيه عامنا يا ماضٍ دون توديع هل رحل العسكر الي سكناتهم وأخلوا الطرقات للأهليها وهل إندمل الجرح وعادت الأطفال الي مدارسهم وهل نظفت الشوارع من الركام وعادت الناس الي ديارهم .. ياعامنا الذي إكتملت أيامه رحيلاً وإكتملت شموعه إنطفاءاً دعني أتحسس كل يومٍ فيك صار ماضيا دعني أتحسس فيك ما صار لشعوبنا وما صار لديارنا .. دعني أتحسس فيك ما أصابنا من خرابٍ وما حل بنا من دمارٍ .. دعني أفتح كتابي وأجرد حسابيَ .... دعني أرتب ما بُعْثِر من أوراقيَ وأُلملم أطراف ما شتت من أفكاري وذكرياتي .. يا عامٌ يا منصرم قل لي ماذا جنت فيك شعوبنا فهل ما زالت الصحاري مزروعة ببقايا رفات شبابنا .. هل ما زالت الحيتان في قاع البحار جوعي تنتظر ما تبقي من أجسادنا .. هل ما زالت العسكر تتحكم في مصائرنا .. هل إنطفأت الحروب وحل السلام في ربوع ديارنا أم أن النار مازالت تحصد الأرواح وتذهق الأنفس وتأكل الأخضر واليابس .. يا عامنا المحتضرة أنفاسه والمتساقطة أوراقه والدانية أيامه قل لي وبربك ماذا جَنَت شعوب منطقتنا .. لماذا هذه الويلات المتراكمة .. لماذا هذه العذابات  المتواصلة المستمرة لماذا هذه الدكتاتوريات المثبتة كالخرصانة بالحديد تزيدها الأيام قوةً وتصلباً تزيدها الأيام بطشاً وتشبثاً تزيدها الأيام تعالياً وتغطرساً تزيدها الأيام أنانيةً وتمسكا .. دكتاتوريات تري في نفسها دون بديل وكأن الأمهات توقفن عن الأنجاب وكأن الأرض لا تنبت ولا تَخْضَر الا بوجودهم وكأن الجفاف سوف يعم برحيلهم .. يظنون ويظنون لكن تعلم الشعوب بأن وجودهم هو القحط والجدب والفناء وإستمرارهم هو العقم والتوقف .. إنهم يقتلون الحياة ويجففون الأرض من ساكنيها .. إنهم يقتلعون الجزور ويحرقون البذور ويقطعون الأرحام .. إبادةٌ وإخلاءٌ وتجفيف لم تشهد له المنطقة مثيل ..شبابٌ إما يموت في الخدمة أو عند الهروب أو تعذيبأ في السجون أو عندما يفلت من كل هذه الأهوال في الطريق أو علي أيدي الرشايدة أو علي أيدي تجار قطع الغيار وإن أفلت من كل ذلك يكون حتفه في الصحاري ظمأً وعطشا أو تيهانا في الصحراء لتتناثر عظامهم وأشلاءهم في كل مكان شاهدةً علي معاناة جيل كامل وإن أفلتو من الصحاري بكل أهوالها فتنتظرهم عصابات قطاع الطرق والإتجار بالبشر حيث يباعون  كالقطيع وتتقاذفهم الأيدي وما يصاحب ذلك من ويلات الإسترقاق والإستعباد .. وإن أفلتوا من كل تلك الويلات ووصلوا الي شواطئ البحر بحثاً عن مراكب تقلهم وتعبر بهم المتوسط فهناك ويلات البحر الذي لا خبرة ولا علم لهم به .. البحر وما أدراك ما البحر لا علم لهم به الا من خلال القصص لا علم لهم بمذاقه ولا بأمواجه والقليل جدا من يدري السباحة فيه .. أهوال البحر وطمع أصحاب المراكب وتكديسهم في القديم البالي منها جعل من الكثيرين منهم لقمةً صائغة لحيتان البحر المتوسط .. عذاب دونه عذاب حلقات محكمة من حلقات الأبادة وتصفية جيل كامل كان من المفترض أن ينعم بحياة أفضل وغدٍ أزهي جيلٌ أُعِدَتْ لتصفيته كل الحلقات التي إن أفلت من واحدةٍ منها تلقفته الأخري وإن أفلت من الأخري إنتظرته حلقةٍ غيرها وهكذا حتي يركب أمواج البحر ساعٍ لبر الأمان لكن ذلك البر يكون أحيانا في قاع البحر أو بين فكي الحيتان ومن أفلت من كل ذلك ونجي بجلده الي اليابسة الي أروبا  فهناك تنتظره معسكرات اللجوء ومتاعب الإجراءات وصعوبة اللغة والكثير والكثير من المتاريس والعقبات تتلاطمهم المسالك وتتخبط بهم الطرقات والظروف .. القليل منهم من يتمكن من الأستقرار وبناء لَبِنَات حياته .. حياةٌ كانت من المفترض أن تبني في الأوطان دون دفع تلك الأثمان .. حياةٌ كانت من المفترض أن تكون علي رأس قائمة الأوليات للحكومات في  بنائها وتطويرها وتوفير كل ما تحتاجه من وسائل وسبل .. لكن الدكتاتوريات كانت أولوياتها البقاء والتمسك بالسلطة لذا صنعوا حلقات الموت لشباب هذا الجيل إقتتال وتقتيل فمن لم يمت في الإقتتال يموت بحلقات التقتيل وهي كثيرة .. عامٌ خلت وولت أيامه .. عامٌ دنت وحانت ساعة رحيله لكن قبل الرحيل يا عام ماذا نال فيك أطفالنا ماذا حل بأحلام وتطلعات شبابنا .. يا عام سوف يسطر التاريخ رقمك ضمن السنين التي عاشتها دكتاتورياتنا .. سوف يُسْطَر رقمك ضمن أعوام التنكيل والدمار .. ضمن أعوام الشتات والضياع  .. ضمن أعوام التهجير والتفجير والتدمير .. ضمن أعوام الحرمان من السلام والأمان .. ضمن أالأعوام التي جُرِدَ فيها الانسان من إنسانيته  وصارت تمارس فيه كل وسائل التعذيب والترهيب .. يا عام أراك تنصرم قبل أن نشهد فيك الخلاص من الإستبداد .. يا عام تنصرم  قبل أن نوأد ونطفئ نيران الطغاة .. يا عام تنصرم  قبل أن ينال الجناة عقابهم وقبل أن تصل يد العدالة اليهم .. يا عام أراك تنصرم وها هي بلادي وما زال الباطش المتغطرس المعتوه يبطش بشعبها ويزرع الدمار في ربوعها .. يزرع الرعب والخوف في طرقاتها .. لقد ملأ البلاد سجونا ومعتقلات .. يزرع البؤس والفقر وقد أوقف عجلة الأنتاج بعد تجييش الشعب وتهجير الشباب وإغلاق البلاد .. يا عام تنصرم وما زال اليمن الحبيب غير سعيد فقد تقطعت أوصاله وحلت المليشيات والجيوش أرجاؤه .. حريقٌ ما زال مشتعلا وما زالت الزيوت تسكب فيه بدل الماء ليذداد الحريق ويصبح الكل غريق فلا صديق ولا رفيق آه يا يمن يا غير سعيد .. لا معين ولا منقذ فالكل يود تقطيع أوصالك وترك النار في إشتعال .. اليمن الحبيب غير سعيد والسودان العزيز ومازالت أطرافه مشتعلة ومازالت أوصاله تدمي والحال أسوء في ليبيا وسوريا والعراق ... وعموم المنطقة تدمي .. يا عام يا منصرم مازالت أوجاعنا كما هي ومازالت أوضاعنا كما هي  مازالت آلامنا كما هي ومازالت أمالنا كما هي  نود أن نري النار وقد إنطفأت والحروب وقد خمدت والفتن وقد أجهضت .. نود أن نري العساكر وقد عادت الي سكناتها .. والدكتاتوريات قد ذابت وإندثرت وألأطفال وقد عادت الي مدارسها والأزهار الي حدائقها وطرقاتها .. نود أن نري تشيدا لا تدميرا .. نود أن نري في الوجوه إبتساماةٍ قد عادت وليس دموع مازالت تنهمر غزيرا .. يا عام يا منصرم إن القائمة طويلة لكن قد حان دنوك وحان وقت رحيلك من الحاضر الي التاريخ لكنَي لم نفقد الأمل بعد ما دام هناك مستقبل ما دام هناك سنين قادمات .. لم نفقد الأمل بعد ما دام هناك بريق في الفضاء يشع وبريق في عيون الصغار يشع وبريق في القلوب رغم الضني يشع ويشع.                                                                     

No comments:

Post a Comment