Thursday, December 30, 2021

الأمحرا والتقراي وصراعات القرن الإفريقي في عام 2021

 

إإشتعلت حرائق القرن الإفريقي حروباً طاحنة بين مكوناته تمتد لتعبر الحدود أحيانا وأحيانا تنحصر لتبقى داخل الدولة الواحدة .. فرقم الهدوء النسبي فإن الحروب والصراعات في الصومال كانت تعبر الي الحدود الإثيوبية والكينية كذلك حروب التقراي عبرت الحدود الإرترية والسودانية أما صراعات السودان شماله وجنوبه كانت تعبر حدود الطرف الأخر .. حرائق لا تطفؤها أنهر وبحار المنطقة .. حرائق يتسابق الجيران في صب أكبر كمية من الزيت عليها حتي يطول زمن اشتعالها ويصعب إخمادها وتحرق الأخضر واليابس ولا تبقي زرعا أو ضرعا أو حتي انسانية الانسان تتبادل الاثنيات السيطرة علي المواقع لكن هو نفس التدمير ونفس القتل ونفس العنجهية والغطرسة عند السيطرة ثم التباكي عند الفقدان والخسران وزرع الاسباب للتبرير وإستعطاف الاخريين .. بؤر الصراعات المشتعلة تختلف من بلد لأخر وحتي من منطقة لاخري تختلف في المسببات لكن الهدف واحد وهو زرع فوضي خلاقة .. فوضي مستدامة .. فوضي تشغل الشعوب ببعضها البعض حتي يسهل السيطرة عليهم وعلي ثرواتهم ومقدراتهم فوضي تعم الاعراق والاجناس فوضي واضحة للعيان في إثيوبيا في الصومال في السودان وكذلك في اليمن الذي شاءت أقداره أن يجعله إخوته جزء من القرن الافريقي وليس جزء من الخليج العربي وكذلك هي الامور عندما تكون فقيرا فالمصيبة تكون مصيبتان فقير ويتحكم عليك الغير...

حيث في إثيوبيا تاريخ الصراعات بين الاثنيات قديم قدم الدولة نفسها ومتأصل ومتجزر في شعوبها هناك من يظن بأنه وجد ليحكم فقط ولا تستوي وتستتب الامور الا بحكمهم وهذا ينطبق علي الامحرا والتقراي فكلى هاتين القوميتن لهم تاريخ دامي في الصراع على السلطة وفي من يحكم بقية القوميات فبالرغم من إنتماء هاتين العرقيتين الي فئة إثنية أكبر هي الحبشة الأكسومية القديمة الا أن الصراع كان دائما فيمن يكون الوريث الشرعي لدولة أكسوم الحبشية فكلٍ يدعي بأنه الوريث الشرعي لتلك الدولة ليس هذا فحسب بل كل منهم يحاول إستقطاب القوميات الأخري لصالحه ومثال لذلك عندما أتي التقراي الي السلطة أستخدموا سوء معاملة الامحرا لبقية القوميات كالأرومو والصومال والعفر وشعوب جنوب إثيوبيا كان الامحرا ينظرون نظرة دونية لكل من سواهم من الشعوب وكان الاضطهاد والتنكيل بهم واضحا لا تخطئه العين .. لقد بسط الامحرا نفوذهم وهيمنتهم العسكرية والمادية والثقافية علي كل أجزاء إثيوبيا فصار الانسان الامحراوي هو الرمز لما تمثله إثيوبيا في الدين واللغة والعرق وكأن كل إثيوبيا هي الامحرة فقط حتي اللغة الرسمية للبلاد جعلوها لغتهم وما رالت وهم لا يشكلون أكثر من ربع سكان البلاد .. طغيان الامحرا لم يستطع التقراي إقتلاعه رغم حكمهم البلاد لقرابة الثلاثة عقود وذلك لأنهم أبقوا الأمحرية كلغة رسمية للبلاد حيث لم يجرأو علي فرض لغتهم التقرنية لعلمهم بأنها لن تجد القبول من بقية الشعوب التي فرض عليها لسنين طوال التحدث بالأمحرية هذا أبقي علي النخب الامحرية وأبقي علي الثقافة ألأمحرية وجعلها قادرة في تجميع شتاتها ومكامن قوتها وتأتي مجددا في شخص أبي أحمد الذي ظاهره أرومو وباطنه أمحرا إسمه مسلم ودينه المسحية البروستانتية التي يدين بها أغلب مسيحيي الارومو علي عكس الامحرا والتقراي الذين يدينون بالمسيحية القبطية حتي أن كنيستهم كانت تتبع للإسكندرية في مصر حتي فصلها الامبراطور هيلي سلاسي وأقام الكنيسة القبطية الاثيوبية .. صراع التقراي والأمحرا هو صراع الأشقاء من البيت الواحد في السلطة وسيستمر هذا الصراع ما بقيت السلطة في يد أحدٍ منهم كما كان تاريخيا والحل يكمن في سلطة الديموقراطية التي سوف تأتي بسلطة الاغلبية أو بسلطة تحالفات لئئتلافات تحكم البلاد وهكذا ينزع شيطان السلطة من الإخوة الأعداء الا ضمن تحالفات تشكل أغلبية حزبية قادرة عل حكم البلاد .. أما تبادل الإنتصارات والهزائم بين القوميتين فهذا لن ولن يأتي بحلٍ للمشكلة الاثيوبية التي صار قدرإستقرارها مربوط بضبط آلية الصراع بين هاتين القوميتين اللتان تتحكمان في الأغلبية الصامتة في البلاد.

أما السودان والذي إستبشرنا خيراً عند إنتصار ثورته المجيدة ضد الطاغية البشير وبقية ذمرته الذين تحكموا في كل تفاصيل حياة المواطن السوداني الذي حبا الله أرضه بكل ما غلى وفاض صار ذلك الإنتصار مؤجل ونقيص وغير مكتمل حيث إنقض العسكر مججدداً علي السلطة وكأنهم إلتحقوا بالخدمة العسكرية لحكم السودان وليس لحماية حدوده ووحدة ترابه التي فرطوا فيها وإنتقصوا الجنوب من السودان الكل وصار هناك سودانين إثنين وأتمنى أن يتوقف التمزق عند هذا الحد فحكم بلد كبير بحجم السودان وبخيراته الوفيرة تحتاج مسؤلية غير عادية من النخب السياسية لكن هذا لم يحدث مع العسكر حيث همهم الوحيد كان في بقاءهم في السلطة حتى ولو تجزأ السودان الى قطع مبعثرة على أن يبقوا في واحدة من هذه القطع ويسموها السودان .. ما تبقى الأن هو شمال السودان وليس السودان الذي إستقل من الإنجليز عام 1956 لقد فرطوا في السودان وإذا إستمر الحال علي ما عليه فقد يفرطوا علي دولة شمال السودان حيث الأطماع ما زالت محدقة به من كل الجوانب والاطراف وما زالت المسؤلية جسيمة علي ما تبقي من شماله أو جنوبه فالحال صيان والصراعات القبلية في الجزئين فليس ما يحدث بين الدينكا والنوير بسهل حتى الأن لم ترى تلك الدولة الوليدة من إستقرار ولم يخرج شعب جنوب السودان من حالة الفاقة المدقعة رغم الثروات النفطية وغير النفطية الهائلة ما ينطبق علي الشمال ينطبق على الجنوب بكل التفاصيل مع تغيير الاسماء فقط الخوف والخوف في أن ينزلق السودان في دوامة الحروب الأهلية التي لا تبقي ولا تذرومقومات تلك الحروب ماثلة للعيان من حيث وجود عدة مليشيات مسلحة جاهزة للحرب في وسط العاصمة وكذلك في بقية المدن الإقليمية وحالة الإحتقان السياسي المؤجج من أطراف إقليمية لها مصلحه في تفكيك ما تبقي من السودان وأوضاع اليمن وليبيا ليس ببعيدة فكل المقومات متوفرة في الساحة السودانية والعامل الوحيد الذي يمكن أن يلعب دورا إيجابيا هو الإنسان السوداني وخصوصا الشبيبة  بحكم إرتفاع درجة الوعي السياسي لديهم وإدراكهم لكل هذه المئالات وعملهم الحثيث على تفادي الانزلاق المؤدي للحالة اليمنية أو الليبية من خلال رفضهم المطلق لحكم العسكر وسعيهم الدؤوب في إحلال سلطة القانون وسلطة المواطن الناخب الذي يختار من يحكم عبر صوته وليس عبر البندقية وخلق ثقافة تداول السلطة عبر بناء تراكمي للوعي والحس الديموقراطي . سماء السودان هذه الايام تغطيها سحب داكنة من قيوم لا ندري إن كانت ستنقشع وتنجلي ويحل الامان والاستقرار وتسود الديموقراطية والعدالة أم أن القيوم سوف تمطر ويلات الحروب وعدم الاستقرار وإستبداد العسكر والتمترس في السطلة وعدم الانصياع لصوت الشعب المنادي بإطلاق سراح كل الاسري وبالحرية والعدالة والديمقراطية .. سماء السودان ملبدة بقيوم داكنة نتمنى أن تكون عابرة ولا تمطر مزيد من التمزق والحروب والشتات فها هو الشرق تلوم فيه الإستقطابات الإثنية والقبلية والتهديدات بين المكونات التي لم تكن تتعايش فيما بينها فحسب بل هي تاريخيا تنتمي لبيت واحد فالبجة بمكوناته المتعددة كالبني عامر والهدندوة والحباب والأمرمر والحلنقة والشكرية هذه كلها وجوه عدة لإثنية البجة التاريخية التي هزمت سابقا مملكة أكسوم الحبشية ويراد بها اليوم أن تتمزق وتتأكل ويستغل الغير مقدراتها وثرواتها كذلك دارفور الأرض الغنية المعطائة والانسان الطيب المتواضع زرعت فيهم الفتن القبلية حتى يظلوا يتناحروا ويتقاتلوا وتنهب ثروات أرضهم التي تعتبر من أغي وأخصب الاراضي ضف الي ذلك المياه الجوفية الوفيرة حيث أن دارفور تعوم فوق بحيرة من المياه الجوفية العذبة .. دارفور تريد فقط السلام والاستقرار حتى تكون من أغني الاماكن .. إنسانها معروف بالكدح والبذل والارض فيها كل ما يتمناه الانسان من خيرات طبيعية وفيرة لقد عملتُ مع الامم المتحدة لمدة خمسة سنوات في دارفور وتثني لي  معرفة إنسانها من على قرب كذلك أحطت علماً بما يحتويه جوف وسطح الارض من ثروات طائلة .. السودان بشتي أطرافه وبقاعه خيراته لا تحصى ولا تعد إنْ وُجد الاستقرار والسلام وحسن التدبير.

أما الصومال فمازال مسرحا للصراع علي السلطة بين قبائله التي لم تتفق على شيئ كما إتفقت علي التناحر والتقاتل والصراع المستمر منذ إنفراط العقد بعد الثورة علي الدكتاتور الراحل سياد باري وقصة الصومال قصة فهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يتحدث كامل شعبها نفس اللغة ويدين بنفس الدين وتجمعهم نفس العادات والتقاليد لكن يكون من أكثر الدول في المنطقة تناحرا وتمزقاً حتى صارت هناك الرغبة لكل إقليم في إقامة كيانه المستقل أمثال جوبالاند وبنتولاند وصومالي لاند أما من تركو وهاجروا بلادهم فتراهم وقد إنتشروا في كل أصقاع المعمورة حيث يندر أن تجد مكان يخلوا من الصومالين في العالم وللحقيقة فأن الشيئ نفسه يقال علي كل سكان القرن الافريقي بجهتيه الشرقية والغربية .. تداخلت الصراعات الدولية والإقليمية مع ألاطماع المحلية لبعض سلاطين الحروب في خلق فوضى خلاقة مزمنة ومتلازمة لم تعطي الانسان البسيط الوقت للتنفس بسلام ولا العيش بأمان حروب ثم حروب ثم تتبعها حروب  بعقلية حارب أولاً ثم أعرف السبب لاحقاً ولا يهم السبب مادام الحرب متواصلة ومادام مصادرالدخل متوفرة فالتستمر الحرب كوسيلة دخل .. الانسان الصومالي طيب وبسيط ودثما علي سجيته وكل هذه الخصال الحميدة أُستغلتْ ضده في خلق النعرات القبلية والمناطقية وإستوطنت أرضه  المنظمات الطوعية والانسانية التي إن أتت الي بلدٍ ما لم تغادره أبدا بل تستوطن فيه إستيطاناً تتكاثر الاسباب والهدف واحد فك لحمته وهدم بنيته وتشتيت إنسانه يحدث هذا وأكثر منذ أكثير من ثلاثين عاماً .. هناك جيل كامل ولد في حالة الفوضى واللا إستقرار وكبر وما زال يعيش في نفس حالة الفوضى واللا إستقرار.

     أما الحال في إرتريا فهو كما هو دون تغيير يذكر ما زالت أفواج الشباب تتقاطر هربا الي البلدان المجاورة ومنها عبورا بالصحراء الكبري الي ليبيا وهناك يلاقون صنوف العذاب بين تجار البشر والسماسرة التي تقتات منهم وبهم سبل عيشها .. حالات الإرتريين في ليبيا فصل متكامل من فصول العذاب بسبب الفوضي التي تعيشها ليبيا نفسها وبسبب سيطرة المليشيات علي البلاد ففي ليبيا تتم كل صنوف التنكيل والتعذيب وسلب أدمية الانسان حيث الاسترقاق والإغتصاب والنهب تتم في المهاجريين من كل الجنسيات بما فيهم الإرتريين الذين يصلون اليها عبر جهد جهيد في سبيل وصولهم الي أروبا .. رحلة هؤلاء المهاجرين المحفوفة المخاطر تبدأ خطورتها منذ أن يقرروا عبور الحدود الي السودان أو الي إثيوبيا فكم هم هؤلاء الذين يقبض عليهم ويعادون الي السجون وكم هم من لم يستطيعوا العبور لسبب أو أخر وبعد العبور وتجميع الفلوس من الاشقاء والأقارب في الخارج تبدأ الرحلة الخطرة في عبور الصحراء الكبري من شمال غرب السودان وكم هم أولئك الذين أبتلعتهم رمال الصحراء ودفن فيها حلمهم للوصول الي بر الامان ثم أولئك الذين إستطاعوا عبور الصحراء الي ليبيا رغم الصعاب والمخاطر لتبدأ رحلتهم الجديدة في داخل ليبيا من جنوبها الي شمالها مع السماسرة والدلالين وأصحاب النفوس المريضة وهنا كذلك تكمن المخاطر لعبور البلاد من جنوبها المصحر الي شمالها علي الأبيض المتوسط وهنا كم هم أولئك الذين يقعون في مصائد وشباك العصابات والمليشيات التي همها أن تأخذ أموالهم أو تستفيد منهم في جمع الاموال وهنا يقع الكثيرن في هذه الشباك والقلة القليلة هي التي تتمكن من الإفلات من الفخ والوصول الي الشواطئ حيث تنتظرهم عصابات أصحاب القوارب وسماسرتها كذلك المخاطر من المليشيات التي يمكن أن تقبض عليهم تحت أي سبب وبدون أي ذنب ويعيشون في خوفٍ دائم بين الأمل والهم ويكونون في حالة تخفٍ دائم الي أن يجدوا القارب المناسب وبسعر مناسب وطبعا كل ذلك عبر السماسرة فقد صاروا سلعتهم المربحة ووسيلتهم في العيش الغير كريم .. وحتى عندما يمتطون هذه القوارب مازالت مخاطر القبض عليهم من قبل المليشيات كبيرة فبعد ان دفعوا لصاحب المركب نقوده وإمتطوا البحر لفترة قصيرة يقبض على بعضهم ويكونوا قد خسروا كل شئ وعليهم أن يعيدوا الكرة مرة أخري وهكذا دواليك يكون فيها هؤلاء الشباب في حالة عصيبة من التوتر والضغط النفسي حبث كل الاحتمالات واردة وممكنة أما أولئك الذين لم يقبض عليهم من قبل المليشيات فمخاطرهم هي من نوع أخر ولا تقل خطورةٍ من الاولي فحالة البحر سكونه وعواصفه كذلك حالة المركب من قديم مهترئ الي مركب صغير يُحَملْ أكثر من طاقته وعطل فني الي تيهٍ في عرض البحر الي خفر سواحل مجرمين يحاولون إعادتهم بالقوة الي عرض البحر ويرفضون أن ترسي قوارب المهاجرين الي والي إحتمالات كثيرة ومن ضمنها أن تصل الي بر الامان بسلام ويتم إستقبالك وتوزيعك في معسكرات القبول حتى تتجه الي الجهة التي تود أن تتجه اليها .. رحلة أشبه الي الخيال من الحقيقة لكنها حقيقة يعيشها كثيرين من الشباب في مقتبل العمر الذين كان من المفترض أن يكونوا في طور بناء مستقبلهم في بلادهم لكن التفريق الممنهج للبلاد من شبابها يجعل البلاد نفسها في حالة تراجع مستمر وممنهج وبوتيرة حادة الي التخلف في كل شئ .. عسى ولعل عام 2022 يحمل في طياته حلاً لماتعانيه البلاد ..

أما الجزء الأخر من القرن الإفريقي فهم رغم إنتماؤهم للجزيرة العربية جغرافيا الا أنهم وشعوب القرن الإفريقي علي الساحل الإفريقي في الهم والغم سواء وفي الظلم والإضطهاد سواء وفي التمزق والحروب سواء في التاريخ سواء فقد فصل اليمن البحر عن إخوتهم في الجانب الافريق لكن الهم لم يفصلهم لكن الفقر والمرض والبؤس لم يفصلهم لكن التبعثر والتمزق والإقتتال لم يفصلهم لكن فقدان البوصلة وتيه الحال لم يفصلهم يجمعهم كل شئ ويفصلهم البحر فقط تجمعهم بلقيس في الشرق وسابا في الغرب تجمعهم الحميرية والجعزية تجمعهم صنعاء وصنعفي تجمعهم سبأ وعين سبأ (عنسبا) إجتمع فيهم كل شئ وغاب عنهم جميعا الأمان والسلام كُني باليمن السعيد عَلهُ يعود سعيداً وتتوقف المهزلة التي تجري فيه تحت كل المسميات وتحت كل المبررات فلا شئ يبرر قتل الانسان وتدمير الأوطان وهتك الأعراض ونشر الأوبئة والأمراض .. فالتتوقف الحروب الإقليمية في اليمن السعيد ولينهض اليمن بشبابه من جديد وكلنا أمل في العام الجديد عام 2022.        

No comments:

Post a Comment