Saturday, March 7, 2015

لدغة الثعبان





أرتحل معظم الناس الي المعسكر الجديد وبقينا مجموعة من سرية الحراسة وكمية من الضيوف اي المارين من المناضلين الذين تعودوا علي المرور بدبر سالا أثناء تنقلهم بين الساحل وبركا أو حتي من المناطق المحيطة بكرن وفي طريقهم الي وحداتهم يمرون بالعيادة المركزية وهاهو المناضل المخضرم طاهر جبريل يتدلي من كتفه المذياع الصغير وفي يده عصاة خفيفة مثل الخيزران وفي وسطه المسدس بمجرد أن لمحته مع المجموعة التي أتي معها عرفته وملامح الشبه موجودة في كل أل جبريل لقد سررت كثيرا للقياه وكذلك هو لمشاهدتي حيث كانت تربطه علاقات قوية بخالي واستغرب لوجودي هناك حيث لم يدري بتواجدي مع سرية الحراسة .. قضيت معهم جزءا من الوقت مستمتعا بالحديث معهم حيث لا تمل أبدا مع المناضلين القدامي لما يختزنوهو من طرائف وتجارب وحكايات لا تنتهي .. الجلوس معهم متعة ويالها من متعة لكن هناك بقية المهام التي علي أداؤها خصوصا أنه اليوم الأخير الذي علينا فيه أكمال ترتيبات ما تبقي من أمور الرحيل كما أنهم سوف يرافقوننا الي المعسكر الجديد ولقد حدد المساء وقتا للمغادرة وتمنيت لو تكون لي كامرة لأصور بها المكان الذي أسر قلبي حتي اليوم خصوصا وأننا راحلون منه وتاركون ذلك الجمال خلفنا .. شيئ لا يصدق لكن هي سنة النضال في الترحال والانتقال ... قليل من المعدات والأمتعة كانت متبقية وكان علينا تقاسمها حيث كل الجمال والحمير كانت قد غادرت مسبقا مع أخر مجموعة قبلنا ... أنطلقنا في المساء في خط سير طويل متعرج تتقدمة طليعة من أفراد سرينتا والكل حريص علي الأخر وكل فرد يراقب من هو أمامة في السير وأحيانا تنتبه لمن هو خلفك كذلك .. تواصل المسير والطريق يصعب أحيانا ويكون أحيانا أخري سهلا  منبسطا والوديان الصغيرة تقاطع طريقنا وترغمنا علي الصعود والنزول وأشجار ال "تسس" دائمة الاخضرار متوسطة الارتفاع متشابكة يصعب المرور بينها وأحيانا تكون متباعدة قصيرة الارتفاع يسهل المرور بينها وهكذا كل في عراك مع الطبيعة والقمر في عراك مع السحب التي تحجبه عنا أحيانا وأحيانا أخري ينبسط الضياء منيرا ومعينا لنا في دروبنا المتعرجة ... وصوت عالي يصدر من خلفي "أروي ... أروي ... أروي" أي ثعبان ... ثعبان .. ثعبان ونظرت الي خلفي وأذا بطاهر جبريل جالس علي الأرض ممسك برجله وكان خلقي مباشرة حيث كان يعبر ذالك الوادي الصخري الصغير الذي تتخلله أشجار ال "تسس" يقول "ركبيني يوم .. نكشيني ود لحرام" أي قد تمكن مني اليوم ولدغني .. لقد عم المكان هرج ومرج فمجموعة تود مطاردة الثعبان وقتله ومجموعة تود الاسراع بأسعاف طاهر ... الظلام الخافت والاشجار والصخور حالت دون قتل الثعبان لقد أفلت فالوقت والمكان كانت عومل في صالحه وبعد افلات الثعبان صار التركيز في أسعاف طاهر الذي كان كبقية المناضلين كان يرتدي الصندل البلاستيكي "الشدة" وعلي حسب قول طاهر ربما كان الثعبان مارا قاطعا الطريق وداس عليه عفصا دون أن ينتبه له  فألتف الثعبان ولدغه وكان أثار البساق واللدغة مازال باينا ... لقد تم غسل مكان اللدغة والضغط من الأعلي والأسفل من مكان اللدغة ومصها له .. تم ذلك مرتين أوثلاثة ثم ربطت من فوق المكان وأعطي مصلا مضاضا الذي كان متوفرا في العيادة لحسن حظه ثم بدأنا السير مجددا وذلك فاقم من ألامه وبدأ مكان اللدغة في الانتفاخ وصار ذلك يشغل بال الجميع وخصوصا لم يتم التعرف علي نوع الثعبان ومدي خطورته حيث تختلف الثعابين في درجة خطورتها .. لقد سرنا كفلا طويلا من الليل حتي وصلنا مكانا منبسطا قليل الصخور والاشجار وطلب منا التوقف هناك والمبات وطلب مني ومن ثلاثة أخرين بالخروج للحراسة حيث لا يمكن أن تنام في موقع دون أن تحدد حراس يراقبون بالتناوب في أماكن محددة وكان ذلك حيث تناوبنا في الحراسة ونام الجميع من التعب والاعياء ما عدا طاهر جبريل الذي أشتدت ألامه وزاد مكان اللدغة أنتفاخا وصارت درجة حرارته في الارتفاع يالها من مصيبة فهو يغلي من الحمة ..لا نود أن نراه وهو متكدرا كذلك ففي الصبح أعطي مسكن علي أمل أن نصل الي المعسكر الجديد فيعطي مضاضا حيويا .. أثار الاعياء والالام لا تكاد تخطؤها عين فذلك الوجه البشوش ذوالابتسامة العريضة هاهو وقد تكدر مزاجه ونالت الحية منه الكثير ... وفي الصباح الباكر واصلنا المسير وبقيت مجموع قليلة لمساعدة طاهر جبريل في المسير دون عجل وحتي لا يزداد المكان أنتفاخا وتأليما ..لقد كنت مع المجموعة الاولي اللتي وصلت الي المعسكر فبل الاخرين وفي الوقت المناسب أخطرنا ود حاج علي مسؤل العيادة بموضوع طاهر فأرسل علي عجل مجموعة للأ سعافه وأحضاره للعيادة بأسرع ما يكون حتي يعطي المصل المناسب .. أما أنا فبمجرد وصولي للمعسكر وضقت الأمتعة الخاصة بالعيادة وأنطلقت مغادرا الي موقعي في الفصيلة الاولي من سرية الحراسة حيث كانت المواقع قد وزعت وكان موقعنا في الصفح الاخر من التل المطل علي العيادة ومن ذلك الموقع يمكنك  مراقبة وأيقاف من هو قادم من ذلك الأتجاه  أي الاتجاه الشمالي الشرقي قبل أن يصل الي العيادة المركزية أو حتي قبل أن يقترب منها .. وما يميز هذا الموقع مقارنة بالقديم هو سهولة الحركة .. هنا لا تحس بأي خطورة أو موانع تعيق حركتك في المشي كل شيئ هنا أسهل وتقل الاشجار وما وجد منها فهو قصير ... وفي صباح اليوم التالي ذهبت لزيارة طاهر وتفقد أحواله ولقد كان في وضع يرثي له .. يرتعد من الحمي مفترشا الأرض كغيره من المرضي يرد علي سلامي بصعوبة بالغة .. سبحان مغير الأحوال من يصدق ان تراه بالامس كله حيوية حركة ومرح شديد وأن تراه اليوم مستلقيا لا يود الحديث اطلاقا  وصحيح قول المثل بان الصحة تاج في رؤوس الأصحاء لا يراه الا المرضي .. أجلس معه لاأنسه قليلا قبل أن أعود ألي مهامي وكذلك كنت أعاوده يوميا خلال فترة مرضه وأذكر في مرة من المرات عندما بدأت  صحته في التحسن قال لي بأنه كان دائما وأبدا يكره الثعبان وعلق علي ذلك أحد المرضي بأن قال له "محظوظ أنت حيث حدث لك ما حدث وأنت في العيادة المركزية".. بدأت صحته تتحسن تدريجيا حتي أكتمل شفاؤه وعادت اليه روح المرح والدعابة وتجاذب النكات مع الأخرين.

لم يكن سهلا العودة الي نفس الروتين الذي ألفناه في الموقع السابق لكنها كانت مسألة وقت وعادت الأمور الي نصابها والمياه الي مجاريها وتعودت الناس الي مواقعها في الحراسة والورديات والتناوب .. في صبيحة أحدي الايام كنت علي عجل أود اتمام شربي للشاهي مع قطعة القراصة قبل خروج الشمس حتي ألحق في تبديل زميلي في الحراسة الذي كان قد أخذ موقعة فيي الجزء الثاني من الليل .. ذهبت اليه مسرعا وقبل أن نتبادل المواقع يشير بأصبعة وعينه في المنظار ويردد " ترأي هليكا كين .. كين مطور لاعشي" أي أتري هناك بالقرب من الاشجار .. أولا رأيت اشجار ال "تسس" تتحرك ثم قليلا ورأيت مجموعة من الناس تتحرك في خط سير مستقيم في أتجاهنا .. أخذت المنظار وأنا أسأل زميلي هل هم مسلحين أم "كولي" يعني غير مسلحين .. قال مسلحين ..ومن خلا المنظار تأكد لي بأنهم مسلحين .. علينا بالأبلاغ ثم الأعتراض .. تسارعت خطاهم وصاروا أقرب كثيرا ولم نكن لوحدنا من رأهم بل حراسة الفصيلة الثانية رأتهم كذلك واتخذو مواقهم تحيطا لكل ما هو طارئ أخطرنا الفصيلة وبسرعة شديدة أتخذت الناس مواقها وتقدمنا ونحن أربعة من المقاتلين نزولا في الطريق اليهم حيث كنا في الموقتع العالي من صفح الجبل الذي من جهته الأخري توجد العياة المركزية .. وفي النزول عليك أن تمربمجموعة تلال صغيرة وهي هدفنا للتمركز وأعتراضهم .. لقد كان لنا السبق حيث رؤيتهم مبكرا ساعدنا في الاسراع بأخذ مواقعنا قبل أن يصلوا الينا.. والأن كل الاحتمالات واردة أما أن يكونو أعداء أو أصدقاء وعموما نحن جاهزون لكل طارئ وهذه واحدة من الحالات التي لا تتصرف فيها منفردا والعمل الجماعي المنسق يؤتي أكله ... تركناهم يقتربو أكثر فأكثر وعددهم ربما خمسة عشر فرد أغلبهم مسلحين لكن هناك قلة غير مسلحة وسطهم .. صرخنا عليهم الأربعة سويا وفي أن واحد ومن أتجاهات مختلفة " من .. من" وهنا كان منظر مرعب حقا ..وكأنها صاعقة نزلت .. عربد المكان وارتكز الجميع وكررنأ مجددا وبنفس الصوت العالي المجلجل "من ..من" وتوقف الذي كان في المقدمة ليقول جبهة ..جبهة وهنالك طلبنا تفاصيل أكثر "جبهة من .." وكان هناك عرف في الميدان أن لا تغدر بأحد ولا تطلق النار علي أحد الا بعد التأكد والتأكد الكامل لذا واصلنا في التأكد منهم خصوصا وكان لنا السبق في المبادرة وعنصر المفاجأة وهو من أساسيات العمل الميداني حيث عليك صناعة عنصر المباغة والمفاجأة وكان لنا مأ أردنا في ذلك وأكثر من ذلك كانت السرية في أهبة الأستعداد لكل طارئ ... تأكدنا من هويتهم وكانو في طريقهم الي العيادة المركزية ولقد فوجئو بالرحيل حيث كانوا في طريقهم الي المعسكر القديم ولقد غادروا البارحة خور سبر وهو واحد من الخيران الكبيرة التي تصب في خور بركا ... مفاجأتي الكبري في هذه المجوعة كان وجود المناضل المخضرم محمد عثمان داير بينهم وكان في وسطه مسدس يتدلي .. لقد كان واحدا من أصدقاء خالي أدريس.. ذابت جزوة المفاجأة وواصلوا طريقم الي المعسكر حيث قوبلوا بالعناق الحار والترحاب الشديد وهاهو ود حاج علي والشهيد أدريس عمر وكذلك طاهر جبريل يلتقون بصديقهم ورفيق دربهم محمد عثمان داير لقد فرحو أيما فرح وهي روح الميدان تتجلي في أسمي معانيها.
ونواصل ........


           

Tuesday, March 3, 2015

عندما أشبعوه ضربا



بعد عودة الرفاق من رحلة البحث وتفقد المواقع المرشحة دبت حركة جديدة في المعسكر وتفاؤل علي الرحيل الي موقع جديد تتوفر فيه كل الشروط .. الكل يتحدث عن الي أين ومتي يكون الرحيل فبرغم جمال الموقع الا ان الماء صار غير صحي والحركة فيه خطرة ليس فقط للمرضي والجرحى وانما للكل في المعسكر والان وبعد عودة المجموعة ربما حان وقت الرحيل .. ولقد صدق ظني حيث ونحن في ذلك الطابور الصباحي يأتي قائد السرية ويخاطبنا قائلا بأن المكان الجديد للمعسكر قد تم اختياره وأن الخطة في كيفية الرحيل قد وضعت ويضيف بأن اليوم هو بداية تنفيذ الخطة وأختار من كل فصيلة مجموعة سوف تكون مجموعة الطليعة عليهم بالذهاب لتجهيز الموقع وجعله ممكنا للاستيطان ولقد كنت من ضمن الذين وقع عليهم الاختيار ولقد كنا مجموعة كبيرة جزء من مجموعة الخدمات في المعسكر وجزء من المسؤولين والبقية من سرية الحراسة وكان علي رأس المجوعة كلها القائد صباح الخير... لقد وضعت المهام من بناء الأكواخ للإقامة والتخزين و..و..والكثير والكثير مما يجب علي المجموعة عمله ...ذكر لنا منها بعض التفاصيل وقال بعد بدأ العمل في الموقع الجديد تتضح لنا الخطة أكثر وأكثر ... أطلق هذ الحديث الحماس في النفوس والكل صار متشوقا علي الذهاب وأذكر ان عبي صديقي أصر علي الذهاب لكن قائد السرية رفض طلبه بحجة أن أبو عفان المدفعجي سوف لن يذهب وأن المعسكر لن يكون خاليا من المدفعجية في أي وقت من الأوقات حتي يكتمل الرحيل الي المعسكر الجديد وخطة القيادة كانت تكمن في أن يرافقنا أحد المدفعجيية مع مساعده ويبقي أثنان من المدفعجية في السرية لحراسة المعسكر وأبوعفان ومساعده عبي من الباقين ... لم يكن لعبي الخيار الا القبول وكذلك كان.  

وفي مساء  ذلك اليوم انطلقنا مغادرين المعسكر وهي المرة الاولي التي أغادر فيها المعسكر في الاتجاه الشمالي الشرقي من الجبل أي في الاتجاه المحاذي لرورا ماريا وكنا مجموعة كبيرة تحت قيادة صباح الخير وكانت مجموعة منتقاة جيدا لتأدية المهمة من خيرة المقاتلين ومن أبرز  عناصرها مسمر قائد مجموعة الخدمات وكذلك سليمان الكردفاني أبن النهود ..فرحت كثيرا لأكون من ضمنهم وفي وسطهم ومعظمهم من أصحابي الا القلة القليلة التي لم يكن لي معهم تعارفا وطيدا لظروف عملهم وتنقلهم الكثير مثل سليمان الكردفاني الذي كان موقع احترام وتقدير الجميع حيث كان لا يتردد أطلاقا في قبول المهام التي تناط به بل كان يحبذ كثيرا أن تناط به مهام جديدة ويفرح بها عندما تناط به وهذا ما كان يجعله موقع تقدير واحترام من الجميع .. هذه هي المرة الاولي التي تجمعني به مهمة وهي كذلك فرصتي لمعرفة قصة ألتحاقه بالجبهة سليمان لم يكن من أولئك المتحفظين الذين يصعب التحدث معهم بل كان بسيطا منفتحا لا حواجز  ولا موانع .. وأذكر جيدا في تلك الأمسية المقمرة ونحن مفترشين الأرض ونحكي في كل شيء عيني تحملق في القمر وهو يتوارى تارة وسط السحب الخفيفة ويظهر تارة أخري لينير ما حولنا ويحلو الحكي مع سليمان وبقية المجموعة في ذلك الجو الجميل والشبه مثالي لمثل تلك الحكايات .. لقد كانت قصته وهو يحكي مصدر اهتمام وأعجاب الجميع ... كان سليمان ينوي في زيارة عمه الذي انقطعت عنهم أخباره وهو في مدينة أم حجر لذا قدم الي كسلا ومنها عبر الي تسني وكان وقتها الجيش الأثيوبي في أشد أوقات قمعه وبطشه في مدينة تسني .. وليلته التي قضاها في تسني قلبت علي ظهر عقب كل الموازين في حياته .... لقد كان سليمان يتجول في شوارع تسني وكان ذلك قبل بدأ ساعة حظر التجول الذي كان وقتها مفروضا علي كل المدن الإرترية وفي طريقه الي الفندق الصغير بوسط المدينة قال توقفت سيارة اللاندروفر للطيرسراويت (الجيش الأثيوبي) ونزل منها الجنود وهم يصيحون بلغة قال لا أفهمها والتفوا حولي وبدأوا يرصعوني ضربا مبرحا حتي وقعت علي الأرض وهم ما زالوا يضرجونني ثم يواصل قائلا بعد ما أشبعوني ضربا تركوني مرميا علي الأرض وانصرفوا ويقول بأن الموقع لم يكن بعيدا عن المسجد الكبير وكان هنالك جمع من الناس خارجين من المسجد ان ذاك.. قال أخذوني الي داخل فسحة المسجد واعتنوا بي عندها ثم أوصلوني الي الفندق ويقول قضيت ليلة مؤلمة لم أذق فيها طعم النوم طوال الليل من جراء الآلام الصادرة من أماكن الضرب في جسدي كذلك احساسي بالإزلال حيث لم أرتكب أي جرم ولا خطيئة أعذب فيها بوحشية قاسية وعنجهية قل ما يشاهد مثلها ذلك ما جعلني متأرقا اليل كله ... يقول قضيت ليلة كالحة كالسواد أنتظر فيها بزوغ الفجر لأعود أدراجي الي كسلا حيث افتقدت العزيمة الي مواصلة مشواري الي مدينة أم حجر لزيارة عمي ... يواصل قائلا رجعت الي كسلا وأكاد أموت غيظا علي ما صار لي ولا أدري كيف أنتقم لنفسي وأخذ لها حقها وأثناء وجودي بكسلا تعرفت علي بعض الشباب الارتريين وعرفت منهم عن الثورة والنضال ووجدت ضالتي فيما كنت أبحث أن أأخذ لنفسي حقها ... ثم يقول بعد الاتصال بمكتب الجبهة رفضوا طلبي في الالتحاق بالجبهة بحجة أن الميدان ليس مكان للانتقام وتصفية الحسابات الشخصية وان ما قدمته من أسباب لم يكن كافيا لقبول طلبي ويقول هنا كان مربط الفرس لقد جعلني هذا أغير أسلوب تفكيري وذادني حبا للثورة الارترية وصرت أضطلع أكثر وأكثر علي القضية وازددت الماما بالتفاصيل والجوانب التاريخية للقضية .. ويواصل قائلا .. صارت كل علاقاتي مع الارتريين هكذا حتي فاتحت أحد أصدقائي برغبتي الجامحة في الالتحاق بالجبهة وطلبت منه أن يساعدني في ذلك وهكذا صار لي ما أردت وهانا أتشرف بوجودي بينكم .. يا لها من قصة تسلب الالباب ... أختفي القمر ومازالت كلمات سليمان وقصته تجول بخاطري ويالها من قصة ..
وهكذا صار لسليمان بصمات في النضال الارتري وحفر لنفسه وللاحرار مثله سطور من نور ونلر حفرها عميقة في قمم دبر سالا لتظل شامخة ومستعصية شموخ واستعصاء دبر سالا علي مر الدهور لم يستطع الانسان ترويضه وهكذا سليمان وهكذا الثورة الارترية لم تركع ولم تخنع لكل اباطرة النظام الثيوبي ظلت شامخة وظل سليمان شامخا ابيا ...طوانا الليل بسرمده لكن ذكري تلك الليلة لم تنطوي في مخيلتي رغم مرور الاربعة عقود ونيف وسوف تظل ويظل الشموخ شموخا رغم تجاعيد الزمن ...
في مساء اليوم الثاني وصلنا الي الموقع الجديد ويا للفرق والأختلاف بين الموقعين نقيضين وبعيدين كل البعد فلا اوجه تشابه بين الأثنين ... اعتقدت ان القيادة في المعسكر ارادت ان تضرب عدة عصافير بحجر واحد وتجد حلولا لمستعصيات واشكاليات المعسكر الأول ... اما انا فقد صدمت من الموقع الجديد ولا اري فيه اي خصوصية ولا شيئ غير سهل صغير في صفح تل صغير تتناثر فيه الصخور من  كل الأحجام .. الموقع الأول كان بانحدار دبرسالا في اتجاه بركا بكل ما تعني كلمة المنحدر من اغوار ووديان عميقة واشجار باسقة ظليلة والغيوم والشفق في الافق البعيد والسلاسل من التلال الممتدة نزولا الي بركا اما هنا فلا افق ولا تلال ولا امتداد لبعك الافقي ينحصر بك المكان فقط في ما حولك وفي ما تراه امامك... كان رد الفعل للرفاق متباينا فهناك من أحب المكان لبساطته وسهولة التحرك فيه خصوصا للمرضي والمجرحيين .. اما من الناحية الامنية فلم تكن هناك حواجز طبيعية للموقع ماعدا وجوده فوق دبر سالا ام الطيران فلم يكن حينها يشكل خطورة  واشكالية لانه لم تكن هناك للجبهة مواقع ثابته تقصفها الطائرات وكان هذا في المراحل اللاحقة من عمر النضال والثورة.. انكببنا في العمل حيث الخطة كانت مرسومة مسبقا وما أمامنا الا التنفيذ وما هي الا ايامات قلائل وقد كان المعسكر جاهزا ولقد كان العمل متعة وأيما متعة وسط مجموعة من امثال مسمر وسليمان وصباح الخير والكثيرين من بقية الرفاق فالمعنويات عالية والطاقات شلالات جارفة تجري ليل نهار وهناك صباح الخير يقود هذه الطاقات ويوظفها خير توظيف.. اكتمل كل شيئ وطلب منا العودة الي المعسكر القديم وبقيت مجموعة صغيرة كان سليمان الكردفاني من ضمنهم .. سبب الرجوع كان للمساعدة في ترحيل ما تبقي من المعسكر ومساعدة الجرحي والمرضي لكن علي حسب ما سمعت من صباح الخير بان الخطة تقتضي بان تنزل مجموعة من المقاتلين الي بركا ويسعوا في الحصول علي جمال وحمير يأتوا بها الي الجبل حتي تساعد في نقل الأمتعة والمقاتلين الغير قادرين علي المشي ..فكل شيئ مرتب ومعد اعداد كامل .. وصلنا عائدين الي المعسكر القديم وكما اسلفت هاهي الجمال والحمير التي لم أتعود رؤياها في الجبل هاهي كذلك تخاطر مثلنا ...  لقد كانت محملة وجاهزة والكل كان في انتظار وصولنا حتي نبق نحن وتنطلق مجموعة اخري بالأمتعة والعتاد .. تتوالى المجموعات غدوا ورواحا بين المعسكرين والكل كخلية نحل .. ونحن في انهماكنا هذا ومازالت مجموعات من المقاتلين القدامي تفد الينا مارة الي مواقعها وهذا المناضل طاهر جبريل كنت أسمع عنه وأعرف من أخوته في كرن تصافحنا وتعانقنا ويسأله الشهيد ادريس عمر "تأمرو" أي تعرفه ويرد المناضل طاهر جبريل "حالو أمر" أي أعرف خاله ويعني الخال أدريس خالد ويردف قائلا مناضل قديم من مناضلي الستينات .. كانت تلك البداية لقصة المناضل طاهر جبريل في دبرسالا.....

 ونواصل .......