تعالو نجرد حساباتنا قبل أن تُطوي الصفحة الاخيرة من العام نجرد ما لنا وما
علينا .. ما كسبنا وما جنينا .. مأ أخذ وأنتظع منا وما رُد وأُعْطِيَ إلينا ..
تعالوا نراجع محصلة عامنا قبل أن يزيحه العام الجديد .. نتحدث عنه وهو حاضر قبل أن
يغيب .. وقبل أن يسدل الستار عنه ويمضي في ثباتٍ عميق .. تعالو نبحث عن ذواتنا عن
من كانوا معنا خلال هذا العام تملأهم الأحلام .. كانوا إما يدرسون أو يعملون أو
وأو وأو .. كانو معنا بخيالهم بعقولهم بأجسادهم فالنراجع إن كانوا ما زالو معنا ..
نراجع ذواتنا ونراجع .. أيام كثيرة مرت وأمور كثيرة مرت ومياه كثير من تحت الكباري
جرت فالحياة لا تدري التوقف وعقارب الساعة لا تدري التوقف وأحلام الشعوب لا تدري التوقف
فالكثير والكثير يمر كل يوم بل كل ساعة والكثير والكثير يتغير والأطفال تكبر
والشيوخ تهرم وتكبر وفي وسط هذه الدواليك علينا بالجرد ما لنا وما علينا فالهَمُ
والهَمُ دائما منصبٌ ومركزٌ لما يجري في البيت وبيتنا قد إهترأت جدارنه وإنكشفت أحواله
.. وتبعثرت ثرواته وماله وتبخرت أماله والطاغية مازال جاثمٌ علي صدره .. الطاغية
ما زال متربصاً بشبابه .. أجيال وراء أجيال دفعات وراء دفعات (زوريا وراء زوريا
كما يقال بلغة ساوا) ومازلنا نخاف عليهم أن يغتالهم الطاغوت وإن لم يقتلهم كذلك
يقتالهم وبين القتل والإقتيال تختلف الوسيلة .. طاغوت جاسم فوق صدره ينتزع كل صغاره
قبل أن يولدو وبعد الولادة قبل أن يرضعوا وبعد الرضاعة ينتزعهم إنتزاعاً .. طاغوت
جاثم علي صدره يمنع الأطفال من الرضاعة .. كل شيئ خربة والحياة صعبة والحلم ممنوع
... ممنوع عليك الحلم قبل أن تغادر كما غادر أخوتك .. ممنوع عليك الحلم حتي ولو
أكملت الزوريا في ساوا فلن يشفع لك ذلك ما دمت صغيرا وما دام عقلك يستطيع أن يحلم
فالحلم قلنا ممنوع ممنوع .. من يُقْبض عليه متلبسا بالحلم فمصيره القتل أو يلغي به
تحت الأرض ولا تدري به حتي الأرض لأنه لم يُسَلَمَ للأرض ميتا فيحسب في تعدادهم
فليس من الأحياء ولا من الأموات .. طاغوت يزرع في الأرض خرابا ونجني كل عامٍ خرابا
.. طاغوت إنتزغ منا الحلم الكبير الذي إستغرقنا ثلاثون عاما في صناعته ثلاثون عاما
وحلمنا في المخاض والكل ينتظر للحلم أن يري الصباح ... ثلاثون عاماً ونبني في
الأمال العراض في الأمال الكبيرة ونقول بعد الأستقلال سوف تكون إرتريا سنغافور
إفريقيا أو دبي القرن الإفريقي والأحلام والأمال تكبر في عقولنا وصرنا ننسج كل ما
هو متاح ومباح وكل ما هو دون ذلك ... إكتمل الحِمْلُ ثلاثون عاما وظننا بان
المولود سوف يُقْبِلُ راكضا ويولد بأسنانه وقادرا علي الحديث والمقارعة .. ظننا
بأن الحمل الثلاثيني سوف يكفينا شر وويلات ما عانت منه كثير من الدول الإفريقية بل
وما زالت تعاني منه حتي اليوم .. ظننا بأن الحمل الثلاثيني سوف يدفع عنا كل أوزار
وأتعاب الرضاعة .. فالرضاعة فقط للأطفال ذو التسعة أشهر .. أجسادهم ضعيفة وعظامهم
لينة ... ظننا جزافاً بأننا إكتسبنا المناعة والقوة ونحن قادرون علي الوقوف لوحدنا
دون مساعدة ودعم .. ظننا إننا قادرون علي السباحة عكس التيار .. تَعَشْعَشَتْ
الأحلام في رؤوسنا حتي أتي يوم المخاض العسير وأتي الجنين لكنه دون أسنان ويحتاج
الرضاعة بل والعناية المكثفة حيث كان قليل المناعة لم تكفه الثلاثون عاما في بطن
الأم الوطن لم تكفه الثلاثون عاما والشعب قدم كل ما يملك بل حتي أكثر مما يملك ...
ثلاثون عاما والمخاض دون المستوي ... ثلاثون عاما وولد الجنين يعاني ويكابد وخفنا
أن لا يموت قبل أن يكبر فقد أُفْتُرِيَ علينا وضحكوا علي عقولنا بعد أن زرعوا في
نضالنا ما زرعوا وإخترقوا ثورتنا إختراقاً وحصدنا الريح حصاداً .. وحصدنا جنينا لا
يستطيع الوقوف حتي بعد ستة وعشرون عاما من الميلاد ولننسي الثلاثون عاما من الحِمِلْ
.. زرعوا فينا هذا المعتوه ليجعل البلاد ركاما حطاما ويقلب عاليها سافلها وصرنا
نبكي ونتحسر علي ما بناه الايطاليين قبل أكثر من ثمانية عقود صرنا نتحسر علي
الأمال العراض ونتحسر علي سنغافور إفريقيا ونتحسر علي المناعة المزعومة ضد أمراض
السلطة في وأمراض الكرسي الإفريقي .. صرنا نتحسر علي الكثير والكثير خصوصا علي
أرواح الشباب المهدرة .. حصادنا ثقيل من الخَيْبَات المتراكمة والأدهي والأمر بأن
لا يكون لدينا حلاً متوقعا في الأفق القريب فرغم إفلاس النظام الا أن الأفلاس عم
المعارضة أيضا فالمرحلة قاتمة والحل يكمن في شعب الداخل الذي يكتوي ليل نهار بنار
هذا الجائر المعتوه .. الشعب والجيش هم صمام الأمان في الوقت المناسب ... إن كان
هذا حالنا في إرتريا فحال المنطقة بشكل أوسع ليس بأحسن من حالنا فهاهم إخوتنا في
اليمن السعيد صاروا يعيشون أسوأ مأساة يمكن لشعبٍ أن يعيشها في الوقت الراهن ..
ثلاثون عاما تحت نظام ظالم إنهار بالبلاد والعباد وحتي بنفسه وقال قولة شمسون عليَ
وعلي أعدائي... وهاهم الديكتاتوريات لا يفكرون بالشعوب فيحطموا ويحرقوا كل شيئ ثم
يطالهم الحريق فيُحَطَمُون ويُحْرَقُون لكن بعد أيتها ثمن .. لقد دفع اليمنيون
جميعا الثمن ودفعت البلاد الثمن وأُعيدوا الي مربع الطائفية البغضاء .. هاهي نتائج
الغطرسة والتسلط علي رقاب الشعوب .. هاهي نتائج خنق الشعوب من التنفس الحر .. من
التنفس كما تريد وتنصيب من تريد .. اليوم تستنشق رائحة البارود نهار مساء وليل
وصباح .. تستنشق رائحة الأتربة والغبار المتعالي من القذائف .. تنمي ثقافة الحروب
والبأساء ثقافة التقتيل والترهيب والتنكيل فالكل خاسر والكل فاقد والكل يشرب من
كأس المرارة والبؤس والمعانة لا منتصر ولا مهزوم لا غالب ولا مغلوب وإنما اليمن
العزيز يكون غير سعيد واليمن العزيز يكون تليد وأسير الحرب الضروس والتي سوف تقضي
علي اليابس والأخضر وحال اليمن ينطبق علي أوضاع المنطقة بأثرها فها هو حال ليبيا
وقد صارت أشلاءٌ تحكمها المليشيات وأمراء الحرب يعيسون في الارض الفساد ويزرعون في
الأرض الخراب ويعسفوا بالبلاد والعباد وهاهم جموع الشباب الذي ظل يستخدم ليبيا
للمرور الي جنوب أروبا صاروا لقمة صائغة في أيدي هؤلاء المجرميين من أمراء الحرب
قادة المليشيات يَسْتَرِقُوهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا يسترقوهم ويستعبدوهم ...
جموع من المغلوبة أمرهم أراد بهم الغدر أن يمروا بليبيا في هذا العصر المنحط والذي
إنحطت فيه قيمة الأنسان بفعل وأفاعيل الديكتاتوريات التي أرغمتهم علي الهروب
والوقوع في براثن هؤلاء المليشات الذين يتاجرون بهم بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية
لا رادعٌ ديني ولا أخلاقي .. لقد رفعت عنهم كل القيم وإستباحوا كل
المحاذيروالمحرامات ... ليبيا تئن وسوف تظل تئن تحت وطأة هؤلاء المليشات ما دام
مصالح بعض الدول تقتضي ذلك ومدام مصالح أمراء الحرب تقتضي الفوضي وعدم الاستقرار
وسوف يظل الشباب من دول القرن الإفريقي ومن بقية أجزاء إفريقيا يتوافدون اليها
كمعبر وكبوابة الي الشمال عبر البحر الأبيض .. زمن تعيس تتواصل فيه حلقات التفريق
والترهيب والتنكيل والإسترقاق والقارة العجوز أروبا ظاهرها غير راضٍ وباطنها يقول
هل من مزيد .. لقد شاخت وهرمت وإنقطع النسل وقلت نسبة الشباب وعليهم بضخ المزيد من
الدماء الشابة في هذه المجتمعات حتي يتواصل الإنتاج وتتواصل المعاشات خصوصا
للمسنين وما أكثرهم ... لقد قَلَتْ نسبة الأنجاب وصارت كثير من القري لا يقطنها
الأ المسنين ولقد هجرهم أبناؤهم الي المدن الكبيري وهم الأن في أمس الحوجة لأن
يتواصل معاشهم وتتواصل الخدمات اليهم ... حلقات من وسائل التفريق متصلة ببعضعا لمن
يري ويبصر .. حلقات يدعم بعضها بعضاً وتعتمد علي بعضها البعض وتدفع ثمنها الشعوب
والبلاد. نطوي الصفحة الاخيرة من صفحات هذا العام
وحالنا يقول يا عام عشت أيامك بين ظهرانين يوم بعد يوم ولم ينقص من وقتك
شيئ لكن نقصت من أمورنا أشياء وأشياء كثيرة فمازالت إرتريا كما هي دون حل وحلقات
المأساة في تمديد وتمديد ومازال اليمن غير سعيد وما زال السودان دون تجديد ومصر من
وعيد الي وعيد وليبيا مليشيات وضياع دون تحديد وأرض العراق والشام في تمجيد
للطائفية وتمجيد .. يا ليتك يا عام أتيت وفي ثناياك حاملا حلول لمنطقتنا حلولٍ
لقضايانا ولما تراكم من مصائبنا .. يا ليتك يا عامٌ كنت قادرا علي أن ترد البسمة
الي شفاه الصغار وأن تعيد الأمل الي عقول الكبار .. ياليتك ياعام كنت قادرا علي أن
لا تُمَرِغ أُنوف اليمنين في التراب فنفسهم أبية ولا ترضي المهانة من الجيران
ونفسهم عفيفة لا تقبل الفتات عطاءاً ولا تقبل الفتات مكرمة .. يتضورون جوعا كي لا
يسألوأ إلحافاً .. يتضورون جوعا ولا تمتد أيديهم سؤالاً .. تفتك الأمراض بنفسوهم
النحيلة لكن رؤسهم شامخة كجبالهم لا تطأطئ لاحد الا للواحد الأحد الفرد الصمد ..
ربي إرفع عن اليمنيين فهم أهل برٍ وخير هم أهل عزةٍ وشموخ .. ياليتك يا عام كفيتنا
شرِ هذا البلية الذي جسم علي صدورنا لأعوام طويلة ليتك أرحتنا شره وجنبتنا مكائده ...
إن بلادنا صارت لا تحتمل فقد فُرِغَتْ من الشباب تفريغا وعذب فيها الشِيبُ تعذيباً
وخرب الإقتصاد تخريباً .. ليتك يا عامٌ رددت المظالم للمظلومين في المنطقة وأريتنا
في الظالمين عجباً عجبا ... فالنطوي أخر صفحاتك ونأمل في العام الجديد أن تتحقق
الأماني ويسود الربوع السلام ويعم العدل والوئام ...