ما أحلاها الطفولة في كرن وما أحلي أيامنا
... لم نحتاج الي سيارة تنقلنا ونحن نتنقل في أحيائها ونتجول في طرقاتها أقدامنا
وسيقاننا تحمل أجسادنا النحيلة .. نلعب في حاراتها ما نشاء مع من نشاء لا موانع
ولا حواجز .. مدينة صغيرة نستطيع طوافها متي ما كانت الحوجة والضرورة .. أغلب
أطفال المدينة يعرفون كل طرقاتها ويكون لهم فيها أماكن خاصة لها طعمٌ ومذاق خاص
خصوصا عندما يجدوا بعض القريشات أو بعض البغشيش من هنا وهناك .. كانت هناك أماكن
مثل بار إستيفانوس الذي كان يبيع الجلاتو أو قريبا منه وليس ببعيد بار بيامونتي
الذي كان يسمي بعد الاستقلال ببار أرقاي وهو الذي كان يلعب مع فريق عنسبا .. بار
بيامونتي كانت له آلة أحضرت من إيطاليا تدخل فيها قطعة العشرة سنتيم لتعطيك حلاوة
لبان خاص كنا نسميه "بُمْبَا أميركان" مغلف بورق ذو ملمس ناعم كان
يستهوينا كثيرا فالحلوة طيبة المزاق وليست كالعلكات (ماستيكا) التي نشتريها بخمسة
ملاليم .. البُمْبَا أميركان كانت خاصة وكذلك الغلاف كان خاص .. أوراق التغليف
كانت تحمل مادة تعليمية كانت مصدرنا في معرفة جغرافية العالم .. كانت كل علكة تعطي
معلومات مفصلة عن بلدٍ معين من بلدان العالم حينها وكنا نتنافس في إقتناء أكبر
قدرٍ من هذه الأوراق يعني أكبر قدرٍ من البلدان .. كل ورقة كانت تحمل إسم البلد
وعلمه وعملته وعدد سكانه وعاصمته وكذلك موقعه الجغرافي .. أنظر كيف كانت نباغة
الصغار حينها وهم يتنافسون في تسمية البلدان وذكر التفاصيل عن البلدان .. كنا
نتبادل الأوراق إن تكررت وتشابهت .. البُمْبَا أميركان كانت طعم ومذاق ومعرفة
وثقافة .. أما الجلاتو من بار إستيفانوس كان سعره خمسة وعشرون سنتا وكان ذلك مبلغ
كبير ويوم تجد ذلك المبلغ فأنت في غمرة من السعادة التي تكتمل بشراء الجلاتو ...
إن وجد المال فأماكن صرفه وما يمكن شراؤه كثيرة وخصوصا أذا كانت فقط من فئة
الملاليم أو السناتيم فيمكن أن تشتري لِقيمات (زلابيا محلية) أو تشتري "فوفل"
وهي حلوة مصنوعة من خليط من الدقيق والسكر بسيطة في الصنع لكنها حالية المذاق ولا
تخلص بسرعة حيث يصعب كسرها عكس السمسمية التي تصنع بنفس الطريقة لكن يمكن مضغها
ولا تعطيك الوقت الكافي للتذوق كذلك بالملاليم يمكن شراء "البَلَسْ" وهو
التين الشوكي حيث كان في موسمه يساوي حبتين بمليم واحد .. ما أحلي وأرخص الحياة
وقتها لكن تلك الملاليم كانت صعبة الحصول عليها فيومية العامل لم تكن تتجاوز
الخمسين مليماً أو النصف ريال .. وأولئك الذين يحبون شرب اللبن مَطِيقُه وقارِسَهُ
كان في متناولهم حيث أذكر أن سعر كأس الحليب المَحْقُونْ البارد كان بمليمين وحليب
الإبل المحبب لكثير من الكرنيين كان بخمسة ملاليم .. كان عادة ما تجد حليب الإبل
يباع بالقرب من المسجد الكبير بالقرب من دكان حاج تمباك وفي نفس المنطة كُنّ يجلِسن
بائعات الكسرة بالإتجاه المقابل في نفس الطريق أي في الزاوية المؤدية الي سوق
الخياطين يعني أمام دكان حسن هندي ومقابل دكان أبوي سعيد قاسم .. وهذه الأسماء
معالم كرنية فدكان حسن هندي كان أغلب أطفال المدينة يلبسون منه للعيد أو للمناسبات
الأخري لقد كانت الاسر تقصده لشراء ملابس العيد وكان الرجل يحظي بإحترام الكرنيين
فإما أن تشتري منه قطع الملابس الجاهزة والتي حينها كانت قليلة جدا لغلاء سعرها
ولعدم تفضيل المشتريين لها أو تشتري قطة من الملابس الغير مفصلة وتعطيها للخياطيين
علي البرندات خارج الدكان وما أكثرهم فكل الشارع من بدايته في تلك الزاوية الي
نهايته في شارع قنافو كانت تجلس فيه معالم من الخياطين الكرنيين منهم علي سبيل
المثال وليس للحصر العم محمد مية المشهور بالطرفة وسرعة البديهة والعم علي خليل ..
الرجل الوقور ذو العلاقات الواسعة وهو صهر أبوي سعيد قاسم الذي سوف نأتي لذكره
وكذلك المَرِحْ علي باربا الذي تُحكي عنه كثير من القصص المرحة ومنها انه عندما
يكون نهاره قحل جاف لا زبائن فيه يلجأ لحيل ووسائل منها عندما يري زبوناً يحمل
قطعة ملابس يصيح فيهم ويلح عليهم بالحضور وعندما يأتوا اليه ينتزع القطعة من
أيديهم ويدخل فيها المقاص وبعد أن يبدأ بقطعها يطلب من الزبون سائلا ماذا يريد أن
يفصل له من القطعة وعندها ليس امام الزبون أي خيار أخر غير إعطائه القطعة فقد وقع
الفأس في الرأس وبدأ في قطع القماش ... كان علي باربا شديد الذكاء قليل الكلام
مضحكا في كل ما يقول ويعمل .. كان أيقونة من أيقونات شارع الخياطين الذي كان عَالَمًا
خاصا تدور فيه كثير من التفاصيل اليومية المربوطة بحياة المدينة فهو الشارع الذي
يفصل أزياء المدينة خصوصا الحريمي منها وهو الذي علي زوقه تلبس المدينة فتأثيره
كان يتجاوز الشارع نفسه ليطغي بتأثيره علي المدينة وتفاصيل حياتها .. كان الشارع
مصدر كثير من النكات والقصص التي تبدأ من هناك لتنتشر علي أرجاء المدينة والشارع
المنافس له كان شارع الصياغيين الذي كان يعج بقامات أثرت في حياة المدينة من كل
النواحي .. فكل من هذين الشارعين يحتاج لكتاب منفصل يخلد مئأثره ويعطي تفاصيل
قاماته التي زينت حليهم نساء المدينة وأطرافها .. نعود لشارع الخياطين وفي الركن
المقابل لدكان حسن هندي كان دكان أبوي سعيد قاسم الذي لا يمكن أن تتحدث عن شارع
الخيطين دون التحدث أو ذكر إسمه رغم أنه لم يكن خياط ولم يبع الملابس رغم وجود
دكانه في بوابة شارع الخياطين ورغم أن الخياطين يجلسون علي جانبي مدخل دكانه ..
أبوي سعيد قاسم واحد من معالم المدينة ولا يمكن أن تتحدث عن قامات المدينة دون
التحدث عنه فيعرفه الكبير والصغير في المدينة كيف لا والمدينة تعتمد عليه في كل
الإحتياجات البلدية من توابل ودهون وعطور وأعشاب وكل مستلزمات الطب البلدي الذي
كثيرا ما كانت تعتمد المدينة عليه .. كان دكان أبوي سعيد قاسم الصيدلية الطبيعية
التي يعتمد عليها السكان في الحصول علي المواد الطبيعية والوصفات التي كان أمثال
الشيخ زايد يصفونها للمترددين عليهم .. أبوي سعيد قاسم كانت عنده توجد أجود أنواع
العسل والسمن وكثير من المتطلبات اليومية للسكان فكان دكانه مزدحماً طول الوقت
وكان الرجل رحمة الله عليه معروف بتواضعه وتواده ورأفته بمساكين المدينة فكان يشفق
ويعطف عليهم وكانت تمر بدكانه جموع السائلين في الصباح وأذكر تلك الجموع التي تمر
بالصباح علي دكاكين السوق شاهدتهم عندما كانوا يحضرون الي دكان جدي خالد رحمة الله
عليه في الصباح الباكر تباعا وكبقية الدكاكين في المدينة يضعون السائل والمحروم في
الحسبان .. كنت أحيانا أذهب لأعين جدي في فتح الدكان وتنظيف الواجه وكذلك الداخل
وإحضار النار للبخور من قهوة عمر أمان. جموع السائلين تدري جيدا الميقات المناسب
لكل دكان .. والمواقيت المناسبة عادة ما تكون بعد الفتح والتنظيف وقبل بدأ الزبائن
في القدوم وكما أسلفت فأن دكان أبوي سعيد قاسم من أكثر الدكاكين إكتظاظا بالزبائن
لذا يمر السائلين بكيراً لأخذ نصيبهم من مما تجود به يده .. ومحمد برهان من
الشغيلة المشهورين الذي إستمر مع أبوي سعيد قاسم لسنين طويلة وكان محمد برهان الذراع
اليمني لأبوي سعيد قاسم .. كان خفيف الحركة سريع البديه يعرف موقع كل صنف من
البضائع التي في الدكان وما أكثرها وكانت الزبائن تحبه لأنه يمشيهم بسرعة ويَدَه
معطاءة ممدودة غير مغلولة كما البعض الأخرين لقد إكتسب محمد برهان شهرة كبيرة وسط
الزبائن وكان هو المدير الفعلي للدكان وكان إسمه دائما مرتبطاً ومقرونا بإسم أبوي سعيد قاسم .. كان الدكان في الزاوية
الشمالية الشرقية لشارع الخياطين .. وكان له مدخلان مدخل بكل إتجاه ولا أعتقد أن يكون
بالمدينة من لا يعرف دكان أبوي سعيد قاسم .. شارع الخياطين عالم لحاله تجري فيه
كثير من الأحاديث والقصص اليومية وربما لا ينعدم من يعطي هذا الشارع حقه من
التدويين والتوثيق بالاضافة للشوارع المهمة الأخري كشارع الصياغيين وشارع قنافو
و"فرش أكل" وسوق الخضار وسوق بَرَه
وجيرة فيوري وما حواليها من مقاهي تاريخية وأماكن مثل بلاسا ريبا والذي بني
لكي يكون سوقا متكاملا مثل المراكز التجارية بمقايس اليوم .. جيرا فيوري هي الساحة
المركزية للمدينة والتي شهدت كل الأحداث المهمة في تاريخ المدينة خيرها وشرها..
تعاقب عليها المستعمرون وكلٍ إستخدمها في اللقاءات العامة مع الجماهير وكذلك
للإستعراض العسكري وفي إستقبال الشخصيات المهمة التي كانت تزور المدينة من حين
لأخر.. و جيرا فيوري ألتي ما زالت تحتفظ
بالإسم وبكونها أهم معلم للمدينة رغم مرور عقود طويلة علي إنشائها لاول مرة في عهد
الأيطاليين والذين إعتمدوا التخطيط الدائري الشكل للمدينة وجعلوا جيرا فيوري قلب
تلك الدائرة وما زالت المدينة هي كما هي من حيث التخطيط رغم هرم وقدم المنازل ..
فلا جديد الا القليل رغم مرور ربع قرن ونيف علي إستقلال البلاد .. وجوكو
والمباريات التاريخية التي شهدها ليس ذلك فحسب بل أيضا كل المناسبات الدينية
والأجتماعية والتثقيفية التي كانت تقام في الجوكو وأذكر جيدا المناسبات الأحتفالية
التي كانت تقام عند نهاية كل عام داراسي وكانت المدينة بأثرها تحضر تلك الأحتفالات
التي كانت تتسم بروعة التنظيم حيث كانت تحتوي علي المنافسات الرياضية بأغلب أنوعها
وكذلك المنافسات الفنية والأدبية ... جوكو كان المركز الثقافي والرياضي والإجتماعي
للمدينه فبالأضافة لصلوات الأعياد كانت أيضا تقام عليه الداميرة وهي نار تقام في
أعياد رأس السنة القبطية (قدوس يوهانس) كذلك كانت تعرض فيه الأفلام التثقيفية أذكر
واحدة من تلك الأفلام التي حضرتها كانت عن الملاريا والوقاية من الباعوض وفي
الجوكو كنا نتعلم ونحن صغارا قيادة الدراجات وفي الجوكو كانت كثير من المشاكل
المستعصية تجد حلا من خلال حلقات المجالس الأهلية التي كانت تقام تحت شجرة الجميز
الباسقة الأقصان الظليلة الوارفة ..كانت تلك الحلقات تمثل تجمعا لرجالات القبائل
والأعيان تجمعهم قضيةٍ ما فيأتون لحلها في ذلك المكتب الطبيعي علي الهواء الطلق
الذي لا تحتاج لحجزه أو دفع رسوم إستخدامه .. حق مباح ومشروع للكل ألاحقية فيه للأسبق .. كان مكانا مناسبا للكل من حيث التهيأة
والموقع والسعة وقد قدم علي مر السينين هذه الخدمات الي أن أتت أناس لا تعنيها حل
القضايا بالتراضي ومن خلال الجهد الشعبي دون الوصول الي السلطات .. لا يعنيهم
العرف والتقاليد النبيلة .. لا يعنيهم تواد الناس وتراحمهم وحل أمورهم بذات البين
وباللتي هي أحسن .. لا تهمهم كل تلك الأشياء وغيرها ما عدي ما تراه عقولهم الصغيرة
فقاموا بقطع تلك الشجرة ولا يدرون بقطعها أنما يقطعون عرف وتقليد حميد إمتدت لسنين
طويلة تحت تلك الشجرة .. لَيتَهُمْ يدرون سُوءَ ما فعلوأ.. والي جانب كل تلك
الأماكن هناك أماكن أخري تؤثر في حياة الناس اليومية سلبا أو إيجابا وتعتبر معلم
من معالم المدينة مثل فورتو الجاسم علي صدر المدينة معطيا لها مظهرها الخلاب ورغم
جمال فورتو الا إنه إرتبط في أذهان الناس بالسطوة والجبروت والخوف والترويع لما
كانت تحدث فيه من عمليات تنكيل وتعذيب في سجنه خلال أيام الإستعمار الأثيوبي وهناك
محطة السكة حديد التي كانت تنبض الحياة فيها وتعج بالحركة بين قطارات قادمة من
المرتفعات وأخري قادمة من المنخفضات تودع وتستقبل كذلك قاطرة "اللترينة"
السريعة التي كانت تقل الركاب فقط وتأتي يوميا من أسمرة متجه الي أغردات وكل ذلك
اصبح اليوم من الذكريات حيث لا قطارات تأتي ولا قطارات تروح ولا لترينة يومية تخدم
الركاب من مصوع لأغردات .. خدمات كانت يومية في عهد الأستعمار أما في عهد
الأستقلال فحدث ولا حرج فقد صارت محطة السكة حديد موقف للبصات يعني علينا أن نمحو
من ذكرتنا بأن هناك كانت قطارات تمر يوميا من هذه المحطة .. ربع قرن ونيف مضي علي
الأستقلال ولا حتي بصيص من الأمل علي أن تجري تلك القطارات مثل ما كانت عليه سابقا
ولا نقل أفضل مما كانت عليه رغم أن الحلم مباح .. ومن محطة القطارات وغير بعيد
عنها نأتي الي محطتين للتوقف عندهم .. الأولي محطة "كونيل" لتوليد
الكهرباء وكنا نسميها "عَدْ بَرَدْ" لا أدري لماذا وصوت المحرك تسمعه
المدينة كلها والبرج العالي تتدفق منه المياه للتبريد كان منظره جميل والمياه
تتدفق منه بتواصل غير منقطع كان ذلك يعطي المكان رونقا وجاذبية خاصة يُرْغِمك علي التوقف
كان ذلك منظري المفضل وأنا أمر من هناك كنت أقف مشدوها بمنظر المياه المتدفقة بإستمرار
ورغم صوت المولد العالي الا أن أذني كانت تنتقي صوت خرير المياه وهي تنحدر من ذلك
العلو لتتدفق مدرارا ومدرارا تداخل جميل بين الصوت والمشهد .. وليس ببعيد من هناك
وعلي بعد خطوات من "كونيل" كان "قراند هوتيل" والذي كنا نسميه
"عَدْ أمِريكان" نسبة لتواجد الامريكان فيه ... كان للمبني بوابتان
أمامية وخلفية ونادرا ما تري البوابات مفتوحة كان دائما ينتابنا الفضول لنري ما
يجري داخل تلك الاسوار المغلقة دائما وكأنه ليس بالمكان حياة لكن عندما تصعد
المبني العالي وتري ما في الداخل تفجأ بعالم مختلف لم نعهده تماما حدائق ومسبح
وملعب قولف وملعب تنس عالم مختلف ويجول بك الحلم والخيال حتي تصطادك عيون أحد
الشغيلة وتسمع "ورد .. أتي ود خلبي ورد" أي أنزل أنزل وأنت تعمل مطنش
وكأنك لم تراه وهو يزيد الصياح ويبحث عن حجر وعندها وقبل أن يجد الحجر تكون قد
نزلت وأسدلت الستار علي عالم الحلم والخيال المغلق خلف تلك الأسوار.. كنا صغارا لا
ندري شيئا غير أن بداخل هذا المبني أمريكان يقيمون هنا وفقط .. كنا نراهم أحيانا يتجولون
بداخل المدينة خصوصا شارع الصياغين الذي كان دائما قبلة الزوار الأولي لخصوصيته
حيث تصاغ كل الحلي محليا وحينها لم تكن الحلي المستوردة تعرف طريقها الي ذلك السوق
كانو صاغة مهرة يجيدون صنع أجمل الحلي وكانت تجذب الأروبيين والأمريكان لأقتناء بعضٍ
منها ... كنا نتجول معهم عندما نراهم في الطرقات يتجولون .. كانوا يدرون بأننا شعب
مسالم ودود لطيف مع الزوار الأجانب .. كانوا أحيانا يأتون بالدراجات النارية
للتسابق في أطراف المدينة خصوصا في مدراجات مزارع الصبار (قادم عيغي أو قادم جينو)
يتسابقون ويَمْرَحون ويقضون أمتع الأوقات وكما قلت كنا صغارا لا ندري أسباب
تواجدهم .. ومرت الأيام وكبرت الصغار وصرنا ندري أسباب تواجدهم حيث كانوا يتبعون
لمركز الإتصالات العسكرية في أسمرا (كانيو إستيشن) وكان لهم محطتين للترفيه
والأستجمام واحدة علي البحر الأحمر بمدينة مصوع والأخري بالداخل في مدينة كرن
وكلتا المحطتين كانتا تتمتعان بكل وسائل الترفيه العصرية وكانت تعطيهم الخيار بين
البحر والداخل في وسط البلاد .. لقد سنحت لي الفرصة وأنا في أزض الشتات أن أشاهد
صورٍ التقطت من الموقعين وكانت فعلا جزء من الخيال بالنسبة لنا المواطنين المحليين
شتان ما بين عالمنا وعالمهم فقد أحضروا أمريكا ونمط العيش في أمريكا الي مواقعهم
في المدن الثلاثة كرن وأسمرا ومصوع .. والعمال المحلين كانوا أقرب الناس لتقليدهم
من خلال معايشتهم اليومية أما نحن فكنا نتسلق الاسوار لنحظي بمشهد أو مشهدين قبل
أن يأتيك صاروخ حجري طائر من العمال المحليين ومرة من المرات التي كنت أتسلق لاشاهد
كان أحد الرجال الأمريكان يلعب القولف وكان لوحدة وكنت أتابعه يضرب بعصاه الحديدة
الكرة الصغيرة البيضاء وينتقل من حفرة لأخري وفي مرة من المرات ضرب الكرة وتجاوزت
السور لتسقط بخارج المبني علي الشارع العام وكنت لحظتها أظن بأنه سوف ينساها ويأتي
بكُرةٍ أخري لكنه كان متابعا للكرة وعرف بالتقريب مكان سقوطها وأتي خارج السور
وذهب بالتحديد لموقع الكرة ليلتقطها من هناك وكانت دهشتي شديدة لمعرفته بمكان
الكرة لقد نزلت من السور بعد أن صاح علي العامل قبل أن يفتح له الباب للخروج وهو
لم يبدي أي رد فعل علي تصرف العامل الذي إعتادوا عليه ... عَدْ أمريكان كان عالم
عجيب وفريد بالنسبة لنا لكن كان لهم في المدينة مساحة من حسن التعامل وطيب
المعشروكانت دفعات تأتي ودفعات تعود الي أسمرا دون أن يتعرض لهم أحد بسوء بل عكس
ذلك كانت الناس تحبهم وتتعامل معهم بلطف وإحترام وأدب وكانو يبادلون الشعب نفس
الأحساس حتي إن أحدهم عاد الي إرتريا وبالتحديد الي كرن ليقيم مدرسة لليتامي
والمعوزين وكانت المدرسة تعرف بمدرسة مستر هيو حيث ساعدت علي تربية وتعليم كثير من
أبناء اليتامي ولاحقا صارت مؤسسة خيرية لها فروع في بلدان شرق إفريقيا وتعرف بإسم
مؤسسة لالمبا نسبة لجبل لالمبا الشامخ وهو أعلي جبال كرن ...