قضيت أسبوعي الأول في في المعسكر مع مجموعة الخدمات تحت
قيادة مسمر وبدأت تدريجيا بالتأقلم مع نمط الحياة وايقاع ووتيرة العمل اليومي وذلك
الجهد الصباحي في جمع الماء والحطب وبقية المهام اليومية التي كانت تنحصرعلي خدمة
المرضي والمجرحيين بالمستشفي (العيادة المركزية) .... كان عملا دؤوبا متواصلا
يجعلك تحتك بشكل يومي مع المناضلين وتقف علي احتياجاتهم اليومية وتشاطرهم
ذكرياتهم وتمرح معهم لتخفف عنهم ... وأكثر ما كانوا يعانون منه بالأضافة الي
حالتهم الصحية صعوبة الحياة ونوعية الغذاء وعدم توفر اسرة ومراقد تناسب حالات
المرضي والجرحي لكن ليس باليد حيلة فأوضاع الجبهة حينها لم تكن بالمستوي الذي يسمح
بذلك وطبيعة النضال في ذلك الوقت من كر وفر والتنقل الدائم وعدم وجود معسكرات
دائمة كما حصل في المراحل اللاحقة من النضال المسلح ...
احببت
عملي ووضعي الجديد وتقاطعت خطوط علاقاتي مع الكثيرين بالمعسكر وكان لي مكان مفضل
اجلس فيه عند الغروب تسترخي فيه ذاتي وتذوب فيه حواسي مع المكان جمالا ومع الأفق
تمددا.. ذلك المكان كان أية من الجمال وقمة في الروعة ... جمال لا يوصف الا أن
تشاهده ... لقد كنت أشاهد من موقعي العالي تدرج الجبال نزولا الي بركا في تسلسل
ورونق عجيب ... جبل خلف جبل وعلو القمم في تناقص حتي تنزل الي سهول بركا وزد الي
هذا التناقم الطبيعي غروب الشمس وشفقها المرسل الي التلال والروابي صعودا الي
القمم الشاهقات ليجعله منظرا خلابا كان يتسمر فيه قلبي كل مساء ... كذلك من نفس
الموقع كنت اشاهد مجموعة جبال همبول ... كتلة صخرية داكنة من علي البعد تحيطها
سهول بركا من كل اتجاه .... مناظر صارت عالقة بذهني ومخيلتي حتي اليوم رغم مرور
اربعة عقود ونيف عليها ... انني متأكد بان يوما ما سوف تكون هذه الاماكن مناطق
سياحية .. منتجعات ومحميات وطنية .....
كان
الوقت صباحا وكانت كل مهامي الصباحية قد اكتملت وكنت مستغرقا في التفكير في أمور
شتي واذا بأحد رفاقي في المجموعة يطلب مني الحضور خلفه فتبعته حتي أتينا الي احدي
الأشجار كان يجلس عندها في حلقة قائد سرية الحراسة والمناضل صباح الخير والشهيد
ادريس عمر ... طلبوا مني بالجلوس ... وأعتقد بانه كان اجتماع روتيني فيه قرروا ضمي
الي سرية الحراسة وعملا بالتوجيه الجديد التحقت بالفصيلة الاولي لسرية الحراسة
التي قوبلت فيها بالترحاب الشديد .. واذكر قائد مجموتنا في الفصيلة كان اسمه عبدو
وكان قليل الكلام وذو ملامح صارمة قل ما تراه يضحك او يضع ابتسامة في وجهه .. أما
بقية افراد المجموعة كانو بسيطين تملأهم الهمة والحماس في اداء واجباتهم ... لقد
كان الايقاع وجو الحياة العام أثقل من ذلك الذي تعودت عليه مع مجموعة الخدمات
مجموعة مسمر ذو الروح المبدعة ... مسمر كان عالما ودنيا بحاله وكان الرجل المناسب
في المكان المناسب يبتسم للجميع ووجهه مشرقا دائما كان خدوما لا يتردد في اسداء
خدمة لأي شخص يحتاجها .. تعودت علي ذلك الجو لكن الأن علي ان أتعود وان
اتأقلم مع عبدو وذلك جزء من النضال .. قائد الفصيلة كان اسمه محمد عافه وكان رجل
بسيط يحترم الأخرين ومهذب شديد التواضع يحاول التوفيق بين الجميع .. عبدو كان
الوحيد الذي لا يغرد مع السرب فكنت أحس بأن له شيئ ما يقلقه ويعكر صفوه ويجعله
دائما عبوسا في وجه الأخرين .. الكل كما عرفت لاحقا كان لديهم نفس الأحساس نحوه ..
كان برنامج السرية يختلف تماما عن برنامج مجموعة الخدمات ففي السرية تقوم بتدريبات
عسكرية متواصلة وكذلك التمويه والأختفاء وتيكتيكات المراقبة من البعد ومن القرب
وكيف تطلب المساعدة عند الحوجة وكيف توقف الغرباء وتتأكد من هوياتهم دون ان يروك
أو تعرض نفسك لأي خطورة... والكثير والكثير من التيكتيكات العسكرية ..وعبدو كان
جيدا في هذا الجانب فقط كان صارما أكثر مما ينبغي وكان صداميا.. كان
المدفعجي في فصيلتنا اسمه عثمان وكلنا كان يناديه بأبو عفان كان طويل القامة ممتلئ
البنية يحب البرين ويفتخر به ويدندن كثيرا بالتقرايت لا تمل من الجلوس معه وخصوصا
وهو يترنم ويغني .. مساعده كان اسمه عبي .. شاب صغير العمر قصير القامة فاتح اللون
عكس عثمان ذو البشرة السمراء لكنهم مكملين لبعضهم ... كان دور عبي تعبأة الذخيرة
وتنظيف البرين وتغطيته عند الضرورة اما عثمان فهوالذي يحمله والمسؤل الأول عنه ..
كنت قريبا منهم أكثر من أي مجموعة أخري حيث في الظهيرة وعندما لا أكون في وردية
الحراسة أكون معهم نتشاطر المرح والقراءة .... عبدو صارت حدته تزداد سوءا
وانطوائيته في تزايد واشتداد كل يوم فلا يروح عن نفسه بالمزاح والضحك مع الاخريين
بل صارت تضايقه كلما وجد الأخرين يمزحون ويضحكون يغضب ويقول بان المناضل عليه ان
يكون صارما وجادا .. اقول جادا نعم .. لكن لما ذا صارما ... لا يقبل أن يخالفه
أحدا الراي او يفكر خلاف تفكيره .. كنا في حيرة من أمره وفي صبيحة أحد الأيام
وأثناء وقوفنا في الطابور العسكري الصباحي أتي قائد السرية وأستدعي المناضل عبدو
ونزلوا سويا الي المعسكر ثم عاد الينا لوحده ومر علينا مودعا .. تأسفت لحاله لكن
ربما كان ذلك أفضل له وللجميع .. لقد علمت لاحقا بأنه نزل الي بركا ثم منها الي
أجازة يقضيها مع أهله ثم يوجه بعدها الي موقع أخر .. عبدو كان مخلصا ومتفانيا لكنه
كان يحتاج الي راحة وهذا ما أدركت وأحست به القيادة في المعسكر وكان ذلك خيرا له
...
ونواصل
........
No comments:
Post a Comment